09‏/06‏/2014

شهرزاد بين قوة الرجل وسلطانه وذكاء المرأة ودهائها



رواية ألف ليلة وليلة باختصار شديد
تبدأ ليالي ألف ليلة وليلة بقصة الملك شهريار الذي يشاء القدر بعلمه لخيانة زوجته له، وقد كان أخوه شاه الزمان هو من أخبره بذلك؛ حيث كان شهريار ملك لبلاد وأخوه شاه الزمان ملك للعجم، فاشتاق الملك شهريار للقاء أخيه شاه الزمان حيث لم يلتقيا منذ عشرين عاماً، فأرسل شهريار وزيره لأخيه شاه الزمان لكي يأتيه فوافق شاه الزمان بزيارة أخيه، وجمع الخدم والوزراء للذهاب إلى بلدة أخيه شهريار وجعل وزير أخيه مكانه في المُلك إلى رجعته، فأنطلق، فلما أن كان منتصف الليل تذكر حاجة نسيها في قصره، فرجع، ودخل قصره فوجد زوجته راقدة في فراشه معانقة عبداً أسود من العبيد، فلما رأى هذا اسودت الدنيا في وجهه، وقال في نفسه: إذا كان هذا الأمر قد وقع وأنا ما فارقت المدينة، فكيف حال هذه العاهرة إذا غبت عند أخي مدة، ثم أنه سل سيفه وضرب الاثنين فقتلهما في الفراش، ورجع من وقته وساعته وسار إلى أن وصل إلى مدينة أخيه، ففرح أخيه بقدومه ثم خرج إليه ولاقاه وسلم عليه ففرح به غاية الفرح وزين له المدينة وجلس معه يتحدث بانشراح، فتذكر الملك شاه زمان ما كان من أمر زوجته فحصل عنده غم زائد واصفر لونه وضعف جسمه، فلما رآه أخوه على هذه الحالة ظن في نفسه أن ذلك بسبب مفارقته بلاده وملكه، فترك سبيله ولم يسأل عن ذلك؛ ثم أنه قال له في بعض الأيام: يا أخي أنا في باطني جرح، ولم يخبره بما رأى من زوجته فقال: إني أريد أن تسافر معي إلى الصيد والقنص لعله ينشرح صدرك، فأبى ذلك فسافر أخوه وحده إلى الصيد، وكان في قصر الملك شبابيك تطل على بستان أخيه، فنظروا وإذا بباب القصر قد فتح وخرج منه عشرون جارية وعشرون عبداً وامرأة أخيه تمشي بينهم، وهي غاية في الحسن والجمال حتى وصلوا إلى فسقية وخلعوا ثيابهم وجلسوا مع بعضهم، وإذا بامرأة الملك قالت: يا مسعود فجاءها عبد أسود فعانقها وعانقته وواقعها، وكذلك باقي العبيد فعلوا بالجواري ولم يزالوا في بوس وعناق ونحو ذلك حتى ولى النهار، فلما رأى أخو الملك فقال: والله إن بليتي أخف من هذه البلية فأخبر أخيه بما حصل، فيأمر بقتلها وقطع رأسها، وأن ينذر على أن يتزوج كل ليلة فتاة من مدينته، ويقطع رأسها في الصباح انتقاماً من النساء حتى أتى يوم لم يجد فيه الملك من يتزوجها، فيعلم أن وزيره لديه بنت نابغة اسمها شهرزاد فقرر أن يتزوجها، وتقبل هي بذلك، وتطلب شهرزاد من أختها دنيازاد أن تأتي إلى بيت الملك، وتطلب من أختها أن تقص عليها وعلى الملك قصة أخيرة قبل موتها في صباح ذلك اليوم، فتفعل أختها دنيا زاد ما طلب منها في تلك الليلة، وقصت عليهم شهرزاد قصة لم تنهها وطلبت من الملك أنه لو أبقاها حية فستقص عليه بقية القصة في الليلة التالية، وهكذا بدأت شهرزاد في سرد قصص مترابطة بحيث تكمل كل قصة في الليلة التي تليها حتى وصلت بهم الليالي ألف وليلة واحدة؛ فوقع الملك في حبها وأبقاها زوجة له وتاب عن قتل الفتيات واحتفلت مدينة الملك بذلك لمدة ثلاثة أيام.

شهرزاد في الفكر العربي والغربي
إن كتاب ألف ليلة وليلة من الآداب العالمية التي أخذت في الترحال من بلد إلى بلد، ومن شعب إلى شعب، ولاسيما بطلتها الأولى وراويتها شهرزاد، وكأنما هي رحالة تجوب الدنيا من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب متأثرة بالفلوكلور الشعبي لكل منطقة تمر فيها، ومؤثرة في فكر الإنسانية البسيط منه والساذج، والعميق والمتعلم على حد سواء، فتدور على ألسنة الجدات حين يحكينَّ لأحفادهن في المساء حكايات ما قبل النوم، وتدور على خشبات المسارح العالمية، وفي دور السينما العربية والأجنبية، كما تختبئ رائحة شهرزاد بين قوافي الشعراء، وبين ألوان وظلال الفنانين التشكيليين في العالم. 

لوحة شهرزاد للفنان إدوارد ريتشل
حتى امتد تأثيرها حتى السيمفونيات الموسيقية وعروض البالية. 


وبما أن شهرزاد بستان خصب للتأثر والتأثير العالمي، تتغير صورتها النفسية والفكرية كلما سافرت من بلد لآخر، ويتشكل سلوكها حسب تغيرها، وتؤثر هي أيضاً في آداب وفنون من تزورهم من الشعوب تأثيراً بعيد المدى، ولهذا تمتاز شهرزاد بصفات تتغير من حين لآخر وتتلون وتتأثر بحسب البيئة التي تحل فيها، وبحسب القوم الذين تحل بين ظهرانيهم، وأهم سماتها المتغيرة أن حكايتها ولدت في الشرق، ثم سافرت إلى الغرب عابرة ما وراء الحدود، ثم عادت إلى الشرق تارة أخرى بعد أن تغير صورتها وتبدل شخصيتها.

ألف ليلة وليلة كتاب متغير الطابع
ألف ليلة وليلة من القصص الشرقية التي اتجهت في رحلتها إلى الغرب، ومن المقطوع به أن الكتاب كان في أصله معروفاً لدى المسلمين قبل منتصف القرن العاشر الميلادي، والكتاب يرجع في أصله إلى كتاب فارسي عرفه المسلمون ونقلوه إلى العربية في القرن الثالث الهجري، ويعتمد هذا الكتاب في مادته على كثير من قصص الهنود وخرافاتهم.
وقد تنقل هذا الكتاب في بلاد كثيرة، وكانت هذه البلاد تضفي عليه من طابعها وتضيف إليه من حكاياتها، ففيه الطابع الهندي، الفارسي، والعربي الذي أضيف إليه في البلاد العربية كقصص الرشيد وأبي نواس، وأسماء البلاد العربية كبغداد والبصرة، وهناك أيضاً الطابع المصري الذي اكتسبه الكتاب من مقامه في مصر كأسماء الأماكن المعروفة في مدينة القاهرة، واللهجة العامية المصرية التي تبدو واضحة في بعض القصص، ويغلب أن يكون هذا الطابع المصري قد اكتسبه الكتاب في عهد المماليك.
أما أهل الغرب فقد عنوا بهذا الكتاب عناية عظيمة ليس من الميسور إحصاء أبعادها.

تأثير الآداب الأخرى في نشأته
لقد دونت قصص ألف ليلة وليلة في عصور مختلفة، ويشهد المسعودي وابن النديم أن الكتاب في أصله مترجم عن الفارسية، ولكن المسعودي يقرر أن الأدباء في عصره تناولوا هذه الحكايات بالتهذيب والتنميق وصنفوا في معناها ما يشبهها، فأصل الكتاب كان مدوناً، ثم نزل إلى الأدب الشعبي الفلكلوري فغير منه وزيد فيه، فلا ينبغي إنكار تأثير الآداب الأخرى في نشأته ونموه بحجة أنه من الأدب الشعبي الذي تمحى فيه الحدود وتتشابه الآداب دون حاجة إلى تلاق تاريخي ذلك أن الكتاب لم ينشأ في أصله شعبياً.

قصة عنوان الكتاب
الثابت أولاً أن هذا العدد لا علاقة له بعدد الحكايات التي رويت، ولا بعدد الليالي التي اشتمل عليها الكتاب، كما يقدم "ليتمان" تفسيراً تاريخياً حين يشير إلى أن رقم "مائة" في العربية يدل على الكثرة، على حين تدل "الألف" على مالا يحصى، وأن 187 الليالي حملت هذا الرقم فترة طويلة. 
لكن رقم ألف وواحد جاء من التركية حيث تدل كلمة "بن بر" في اللغة التركية ومعناها "ألف وواحد" على مالا يحصى، ويشيع استخدامها في التركية المعاصرة مثل ميدان "بن بر عمود" أي ألف عمود وعمود في استانبول وكذلك "بن طرز" أي ألف طراز وطراز في الدلالة على كثرة الأشكال، وهو تركيب شائع في التركية مما يؤكد قوة الفرض الذي يربط عنوان "ألف ليلة وليلة" بالعصر التركي.

من مؤلف الكتاب؟
جاءت صورة شهرزاد في ألف ليلة وليلة على أنها امرأة تقص وتحكي من أجل بقاء الذات وبقاء بنات جنسها، وقد بنيَّ هذا الصراع على سحر اللغة وعلى لعبة السرد والمجاز، وجاءت شهرزاد لتقاوم الرجل بسلاح اللغة فتحول الرجل شهريار إلى مستمع، وتحولت هي إلى مبدعة، واستطاعت إخضاع الرجل وترويضه لمدة ألف يوم ويوم، وهذه المدة تعادل فترة الحمل والإرضاع، وقد جاءت شهرزاد في النص بوصفها صاحبة القول وصاحبة الحديث. 
هنا يبرز سؤال: هل كانت شهرزاد تحكي فعلاً؟ أم أنها مجرد شخصية روائية من صنع رجل تخيل النص وكتبه؟ هل كانت شهرزاد مجرد ضيفة؟ أم هي صاحبة النص؟ 
يذكر محمد عبد الرحمن يونس في مقال له بعنوان: "شهرزاد وخطا الجنس" إن هذا العمل العظيم لم يكن مقصوراً على أديب من الأدباء، فحتى الآن لا يُعرف مؤلف هذا العمل، هل هو عربي أم فارسي أم هندي أم مجموعة من المؤلفين؟
إن كثيراً من المصادر تستخدم لفظة "مؤلف" ألف ليلة وليلة ومعنى هذا أنه رجل..! ولكن هل كانت المرأة هي التي كتبت هذا العمل؟
يعقد الدكتور الغذامي مقارنة بين بنية النص وبين خصوصيات المرأة ليخلص إلى نتيجة هامة فيقول:
1- إن هناك تماثل شديد بين ألف ليلة وليلة كجسد نصوصي وبين الجسد الأنثوي وذلك من حيث التوالد والتناسل، وكل حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة تحمل في رحمها حكاية أو حكايات أخرى تتولد عنها، فهي جسد ولود وقابل للتمدد، فالليلة الأولى تمتد لتصبح ألف ليلة وليلة، كما أن المتحدثة أنجبت في نهاية النص ثلاثة أولاد ذكور. 
2- يمتد عدد الليالي إلى ما يعادل ثلاثة وثلاثين شهراً، وهي مدة تقابل مدة الحضانة والحمل والإرضاع "وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً" أمضتها شهرزاد في ترويض وحضانة الرجل ورعايته كطفل متعذب، فمنحته شفاء النفس وطمأنينة الروح. 
3- سيطرة البعد العاطفي والخيالي في النص سمة أنثوية، وكذلك خوارقيته ولغزيته وسحره .
4- حدوث النص في الليل واستتاره عن النهار فهو نص محجب مستور اتخذ من الليل خماراً كما تتحجب المرأة .
5- بداية النص ونهايته واضحة، أما الحكايات التي بينها فهي قابلة للتمدد والتقلص والزيادة والنقص كرحم وأحشاء الأنثى وجسدها. 

إن طبيعة إنشاء النص وتركيبه أنثوي، وهذا التماثل بينه وين خصوصيات ولوازم المرأة يدفعنا للسؤال: من هو مؤلف / مؤلفة / مؤلفين / مؤلفات ألف ليلة وليلة؟ 
أهو رجل / رجال؟ أم امرأة / نساء؟ 
وهنا يذكر "محمود طرشونة" أن تعدد مخطوطات ألف ليلة وليلة واختلاف رواياته لا يساعدان على معرفة تاريخ تأليفه خصوصاً وأن المؤلف مجهول بل يرجح أن الأمر يتعلق بعدة مؤلفين، وأن جل المخطوطات الباقية حديثة لا يتجاوز أقدمها عام 943 هـ / 1536 م باستثناء ما ذكره الباحث العراقي "هلال ناجي" من أنه عثر على نسخة يعود تاريخها إلى القرن الثاني الهجري، وما ذكرته الباحثة الأمريكية اللبنانية الأصل "نبيهة عبّود" من أنها اكتشفت مخطوطاً يعود إلى القرن الثالث الهجري، لكن النصين المذكورين لم ينتشا بعد ولذا يعسر التثبت من هاتين الحقيقتين. 
واحتوت الروايات الباقية على مفاهيم وموارد حديثة مثل القهوة والبارود، وألفاظ عثمانية إلى جانب حكايات يعود عهدها إلى العصر العباسي. 
وما يهمنا هنا أن النص جاء مجهول النسب وغفلاً من اسم مؤلفه، وهذه شهرزاد تتكلم وتنسب الكلام إليها "بلغني أيها الملك السعيد" وتتكرر العبارة ألف مرة، فالمرأة قد قالت وحكت..! فهل هي التي تكلمت وسردت أيضاً؟
ويخلص الغذامي إلى أننا يجب أن نفرق بين مفهوم التأليف ومفهوم  التدوين، وسوف يزعم أن الرجل قد دون النص، لكن المرأة هي التي ألفت وتخيلت وحكت الحكايات، ودعوى هذه الأطروحة تقول: أن هذه الحكايات كانت من حكي النساء وأقاصيصهن على مر الليالي، وليس للرجل من دور سوى تدوين هذه الحكايات، وهو حينما كتب النص لم يفعل ذلك احتفاء به بدليل أنه لم يضع اسمه على النص المكتوب احتقاراً له وتعالياً عليه؛ ثم يقرر أن خطاب ألف ليلة وليلة خطاب أنثوي لا يقوى عليه سوى المرأة وليس للرجل فيه سوى التدوين. 

ولهذه الأسباب يجدر الاعتماد على مقاييس النقد الخارجي والنقد الداخلي لمعرفة بعض أصول الكتاب ومصادره.

أصول الكتاب ومصادره
النقد الخارجي
أول من ذكر كتاب ألف ليلة وليلة من المؤرخين القدامى المسعودى (ت 346 هـ / 957 م) فقد قال في "مروج الذهب" في معرض حديثه عن إرم ذات العماد: "إن هذه الأخبار موضوعة، من خرافات مصنوعة، نظمها من تقر إلى الملوك بروايتها، وإن سبيلها سبيل الكتب المنقولة إلينا والمترجمة من الفارسية والهندية والرومية مثل كتاب "هزار أفسانة" وتفسير ذلك بالفارسية "خرافة" ويقال لها "أفسانة" والناس يسمون هذا الكتاب "ألف ليلة" وهو خبر الملك والوزير وابنته شهرزاد وجاريتها دنيازاد" 
هذا النص أثار نقاشاً طويلاً بين المستشرقين حول أصول الكتاب، فأول من نبه إلى وجوده المستشرق الفرنسي "سلفستر دي ساسي"  وكان أول من افتتح مرحلة الدراسة والتحليل التي بدأت في القرن التاسع عشر وذلك بالبحث الذي قدمه في "جريدة العلماء" عام 1718 م حول أصول " ألف ليلة وليلة" فاعتبره نصاً منحولاً لا يدل على أن أصل الكتاب مترجم من الفارسية وقد استبعد ساسي في هذا البحث فكرة أن يكون المؤلف فرداً واحداً, ورجح أن تكون قد كتبت في فترة قريبة من فترة اختلاط الثقافات الفارسية والهندية والعربية، وبذلك خالف "المسعودي" في الإشارة التي كتبها في مروج الذهب والتي أشار فيها إلى أن ألف ليلة وليلة ترجمة لقصص فارسية تسمى "هزار أفسانة" ومعناها "ألف خرافة" وهو الذي أشار إليه "ابن النديم في الفهرست" حيث قال: "أول من صنف الخرافات وجعل لها كتبها وأودعها الخزائن الفرس الأول، ثم أغرق في ذلك ملوك الأشغانية وهم الطبقة الثالثة من ملوك الفرس، ونقلته العرب إلى اللغة العربية، وتناوله الفصحاء والبلغاء فهذبوه ونمقوه، وصنفوا في معناه ما يشبهه، فأول كتاب عُمل في هذا المعنى كتاب "هزار أفسانة" ومعناه "ألف خرافة" وكان السبب في ذلك أن ملكاً من ملوكهم كان إذا تزوج امرأة وبات معها ليلة قتلها من الغد، فتزوج بجارية من أولاد الملوك لها عقل ودراية يقال لها شهرزاد، فلما حصلت معه ابتدأت تخرّفه وتصل الحديث عند انقضاء الليل بما يحمل الملك على استبقائها، ويسألها في الليلة الثانية عن تمام الحديث إلى أن أتى عليها ألف ليلة رُزقت في أثنائها منه ولداً أظهرته وأوقفت الملك على حيلتها عليه فاستعقلها ومال إليها واستبقاها، وكان للملك قهرمانة يقال لها دنيازاد فكانت موافقة على ذلك.. وقد قيل إن هذا الكتاب أُلف لحميّا ابنة بهمن. "وفي موضع آخر من الفهرست قال: "والصحيح إن شاء الله أن أول من سمر بالليالي الاسكندر، وكان له قوم يضحكونه ويخرفونه لا يريد بذلك اللذة وإنما كان يريد الحفظ والحرس، واستعمل لذلك بعده الملوك "هزار أفسانة" ويحتوي على ألف ليلة وعلى دون المائتي سمر لأن السمر ربما حُدث به في عدة ليال وقد رأيته بتمامه دفعات، وهو بالحقيقة كتاب غث بارد الحديث" 
وأشار ابن النديم إلى أن الجهشياري صاحب كتاب الوزراء كان يريد وضع كتاب فيه ألف حكاية من حكايات العرب والفرس والهند، وقد وضع منها أربعمائة وثمانين حكاية ومات، وقد ظلت آراء المسعودي وابن النديم موضع الاقتباس والمناقشة والتأييد والمعارضة في كل الكتابات التي دارت حول أصول الليالي، وفي نفس العام الذي نشر فيه ساسي بحثه، نشر المستشرق النمساوي "فان هامر" مقالاً يعبر فيه عن تمسكه بنص المسعودي، وأردفه بآخر عام 1823 م في "المجلة الاسيوية" يرد فيه على شكوك دي ساسي، ولم يقتنع هذا الأخير بحجج فان هامر فنشر مقالين عام 1828 م و 1836 م يعبر فيهما أن الكتاب عربي بأكمله بدليل الروح الإسلامية الظاهرة في كامل حكاياته 
وهناك وثيقة ثالثة تدل على انتشار الكتاب بعنوان ألف ليلة وليلة في عهد الفاطميين بالقاهرة، فقد ذكر المقري في "نفح الطيب" أن ابن سعيد بن موسى الغرناطي المولود عام 685 هـ يقول في كتابه: "المحلّى بالأشعار" عن القرطبي في عرض الكلام عن بناء الهودج في بستان القاهرة وعن البدوية التي بناه الآمر بأحكام الله لها أن القصص الشعبية حول هذه البدوية وحول ميّة من بني عمومتها أصبحت مثل قصص الأبطال وألف ليلة وليلة وما شابهها، وأكد أوستروب أن ابن سعيد حل القاهرة قادماً إليها من غرناطة بعد عام 1241 م، واستنتج "فيكتور شوفان" من هذه المعطيات ومن غيرها نظريته حول مؤلفي الكتاب المصريين، فقد بين في كتابه: "الرواية المصرية لألف ليلة وليلة" أن للكتاب مؤلفين: 
الأول: مصري وتنسب إليه كل الحكايات المصورة للحياة الاجتماعية في مصر .
والثاني: يهودي مصري أسلم ويسمى غراهيم ميمون الذي عاش قبل عام 924 هـ / 1518 م والدليل على ذلك وجود مجموعة من الإسرائيليات. 
وفند الباحث "أستروب" هذا الرأي مشيراً على أن الإسرائيليات كانت منتشرة منذ عصر ابن منبه بدون انقطاع وبين أن المؤلف لا يمكن أن يكون مؤلفاً واحداً أو مؤلفين بل مجموعة من الرواة ودليله على ذلك اختلاف النسخ. 
وتدخل في النقاش وفي هذا المجال فإن "وليام لانس" هو الوحيد الذي حاول أن يثبت أن مؤلف ألف ليلة فرد واحد وإنه كتبها ما بين عامي 1475 و 1525 م 
ومع الدراسة التي قدمها "أوجست مولر" بدأت فكرة المصادر تأخذ نظرة أوسع وهي إمكانية تعدد المصادر، وقد ميز مولر في مقاله بين نوعين من القصص أحدهما القصص البغدادي والآخر القصص المصري أو القاهري، ووافقه " نولدكه" على هذا الرأي، وظلت فكرة تعدد المصادر تتسع لتضم مصادر هندية وفارسية، وإشارات هيلينية وقصصاً عراقية ومصرية، وفي هذا الصدد انتهى "نابيا" في البحث الذي كتبه في مجلة الشرق الأدنى عام 1949 م إلى إمكانية تمييز عدة مراحل في الشكل الذي انتهت إليه "ألف ليلة وليلة" وهو يرى أن الكتاب مر بالمراحل التالية:
1- ترجمة لكتاب "هزار أفسانة" في القرن الثامن الميلادي، وربما كانت ترجمة كاملة ودقيقة ومن الممكن أن يكون اسمها في هذه الفترة "ألف خرافة".
2- تعريب ومحاكاة إسلامية على مستوى كلي أو جزئي لهزار أفسانة في القرن الثامن أيضاً .
3- كتابة ألف ليلة في القرن التاسع محتوية على أهم العناصر في المرحلتين السابقتين عربية أو فارسية .
4- كتاب "ألف سمر" الذي كتبه ابن عبدوس الجهشياري في القرن العاشر، ويحتمل أن يكون قد أضاف عصره إلى الليالي السابقة .
5- كتاب قصص أخرى ألف في القرن الثاني عشر، واحتوى على قصص مصرية محلية، وعلى قصص آسيوية، وربما جاء في هذه المرحلة كلمة "ألف ليلة وليلة" فحتى هذه الفترة كان العنوان "ألف ليلة" أو "ألف خرافة" فقط .
6- المرحلة الأخيرة التي أضيفت فيها بعض القصص المتعلقة بالحروب الصليبية أو بغزوات المغول في القرن الثالث عشر، وبدخول الأتراك إلى سوريا ومصر في القرن السادس عشر.

النقد الداخلي 
ثمة تبادل تأثير واضح بين الأدب الهندي والفارسي من جهة، وبين الفارسي والعربي من جهة أخرى، ومن المعلوم أن ذروة التبادل الأدبي بين العرب والفرس كان في زمن الخلافة العباسية وذلك نظراً للتلاقي الثقافي بين العرب والفرس، وإن المتمعن في نصوص الكتاب يلاحظ تعاقب الروايات وتراكم الحكايات، ويمكن أن يثبت تعاقب ثلاث مراحل على الأقل: وهي المرحلة الهندية والمرحلة الفارسية والمرحلة العربية بقسميها البغدادي والمصري وذلك اعتماداً على فحص النصوص من الداخل .
لو تتبعنا فنون القص فسيتيسر لنا معرفة أصول بعض الحكايات ووضعها في إطارها الزمني والجغرافي بهذه الطريقة في التحليل يمكن استخراج نواة هندية وتصرفاً فارسياً وإضافات عربية هامة وآثارا يونانية.

التأثير الهندي  
هناك مجموعة من الخصائص المعروفة التي تتميز بها القصص الهندية وأهمها:
1- تداخل الحكايات أو التضمين الذي نجده في البنج تنترا وفي المهابها راتا، قد ظهرا في كليلة ودمنة ذي الأصل الهندي هو أيضاً.
2- الإطار العام الذي تبدأ به ألف ليلة وليلة له نظير فيما بقي لنا من الأدب الهندي ففي الكتاب الهندي الضخم المسمى محيط الأنهار القصصية أو " كاتاريتساجارا " سبعون قصة تحكيها الببغاء لامرأة سافر زوجها فأرادت أن تتخذ لها خليلاً، فأخذت الببغاء تقص عليها تلك الحكايات في ليال متتابعة، وفي كل ليلة تقطع حكايتها في موضع، بحيث تشتاق المرأة إلى سماع بقيتها في الليالي التالية، حتى جاء زوجها، وبهذا ألهت الببغاء المرأة عن خيانة زوجها. 
3- سرد حكاية لمنع أمر قبيح ويظهر هذا أيضاً في حكاية الببغاء الذي يحكي لزوجة صاحبه حكايات حتى يمنعها من الذهاب إلى خليلها في غياب زوجها .
4- ضرب المثال ويظهر ذلك في تكرار عبارات من صنف: "لا تفعل كذا وإلا أصابك ما أصاب....... 
5- تحول الإنسان إلى حيوان وهو من رواس عقيدة التناسخ.
6- وهذه الخصائص موجودة في الحكاية الإطارية 
7- ومن العناصر الهندية في الكتاب طريقة التساؤل
8- وعثر بعض الباحثين على أصول هندية ثابتة لمجموعة من الحكايات مثل حكاية الحسن البصري وحكاية الحمار والثور وصاحب الزرع وحكاية الملك يونان والعالم ريان، والملاحظ أن النواة الهندية يوجد أغلبها في أول الكتاب وهي لا تشغل إلا بعض الليالي.

التأثير الفارسي  
الرواية الفارسية هي التي ذكرها المسعودي في مروج الذهب والتوحيدي في الإمتاع و المؤانسة وابن النديم في الفهرست بعنوان "هزار أفسانة" لكن هذه الترجمة الفارسية مفقودة، ويظهر أنها عربت في القرن الثالث وربما في القرن الثاني مع كليلة ودمنة الذي مر بنفس المراحل، وقد تصرف الفرس في:
1- الأسماء فأسندوا إلى الأشخاص أسماء فارسية مثل: شهرزاد وشهريار ودنيا زاد وشاه زمان وبهرام ورستم وشابور .
2- أضيفت بعض الحكايات مثل: " قمر الزمان والأميرة بدور و أردشير وحياة النفوس وسيف الملوك" ووردت هذه الحكايات متتالية في بعض النسخ وكأن المترجم هو الذي أضافها .
3- الخوارق ذات الأصل الفارسي تميزت بأن الجن والعفاريت فيها ليست في خدمة الغير يسخرها كما يشاء، بل تتحرك ببادرة ذاتية ولفائدتها الخاصة .
4- تصرف الفرس في بعض الحكايات الهندية الأصل كحكاية "الفرس الأبنوس" فأدخلوا فيها بعض عاداتهم مثل: الاحتفال بعيد النيروز والمهرجان، وقد تواصل الاحتفال بهما حتى في العصر العباسي.

التأثير اليوناني
ففي الكتاب آثار يونانية، فقصة السندباد البحري تقابل – بما تحتوي من مغامرات – ملحمة هوميروس وبخاصة في وصف الكهف الذي يتغذى فيه الوحش بالناس؛ وهذا الوحش في صورة رجل طويل القامة، طويل اللحية له عينان كأنهما مشعلان، يعمي ضحاياه من البشر قبل أن يفترسهم، ويتغلب عليه في القصة "سعيد" فيقتله، وفي هذا ما يذكرنا بمخاطرة "يوليسس" في كهف "ولفموس" في أوديسيا هوميروس.

التأثير العربي
في عصر الرشيد وربما المنصور تقبلت بغداد كتاب "هزار أفسانة" وعربته وضخمت حجم الكتاب بإضافات جديدة، وفي هذه المرحلة ظهر لأول مرة عنوان "ألف ليلة" وقد بين "أحمد حسن الزيات" أن الإضافات العراقية من عمل كتّاب لا رواة، فقد اشتهر في بغداد في ذلك الوقت كتاب يجيدون تأليف الحكايات كسهل بن هارون وابن عبدوس الجهشياري، ولاحظ الزيات أيضاً أن الإضافات البغدادية عربية روحاً ومعنى إذا زالت آثار الترجمة، وأوحى بتلك الإضافات ما عرفته بغداد من حياة الترف والخصب منذ عهد الرشيد، فتجسم ذلك في "أقاصيص غرامية صغيرة انتزعت من حياة العرب واتسمت بسمة الإسلام" ويظهر أن الرشيد فيها ملاك رحمة ورسول عناية وسميت أيامه بأيام العروس، وليس معنى ذلك أنه كلما ذكر الرشيد في قصة فهي بغدادية، فالرواة المصريون أيضاً استعملوا اسمه في حكاياتهم، وفي هذا السياق يمكن اعتبار القصص الغرامية بغدادية الأصل مثل حكاية علي بن بكار وشمس النهار وحكاية النائم اليقظان وحكاية الجواري الضرائر وحكاية الشاب البغدادي مع جاريته.
ومن الإضافات البغدادية:
- ما أفرزه النشاط التجاري في البصرة مثل: "رحلات السندباد البحري" 
- ما أفرزته الحياة اليومية في بغداد مثل: حكاية "أبو محمد الكسلان"، ويبدو أن نواة "عمر النعمان" و "عجيب غريب" فارسية وأن الصورة النهائية لهما عراقية على حسب صاحب فصل ألف ليلة وليلة في دائرة المعارف الإسلامية الطبعة الجديدة .
- وقد استلهم العراقيون بعض حكاياتهم من مصادر بابلية الأصل مثل: صفات الخضر الدائم الشباب ورحلات بلّوقية بحثاً عن ماء الحياة وهي تعود إلى أسطورة قلقامش.
- وقد استلهموا بعض القصص القرآنية خصوصاً قصص الأنبياء وتضخيم المفسرين لها، وأخذوا بعضها من كتب معروفة مثل "أخبار أبي نواس" لأبي هفّان و "الفرج بعد الشدة" للقاضي التنوخي وكتاب "الوزراء" لابن عبدوس الجهشياري وكتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي، وأخذوا القصص الغرامية من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني ومن كتاب "مصارع العشاق" لابن السرّاج.
وكل هذه المصادر تحتاج إلى دراسة متعمقة تبين النصوص التي انتقلت فعلاً إلى ألف ليلة وليلة.
- وتواصل الاقتباس في المرحلة البغدادية إلى القرن الخامس، وانتقل الكتاب وأثره إلى الرواة المصريين فأضافوا إليه حكايات حتى يبلغوا الليلة الأولى بعد الألف. 
- وتتكون الطبقة المصرية من الحكايات التي أضافها رواة محترفون ضخموا حجم الكتاب بقصص عربية فيها الكثير من التقاليد الإسلامية والأساطير فرعونية، والسير اليهودية .

ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى ثلاثة أطوار: 
الأول فاطمي: وفيه رويت حكايات متأثرة بمذهب الباطنية فكثر الحديث عن الطلاسم والسحر والجن .
الثاني أيوبي: وفيه رويت قصص البطولة والحروب .
الثالث مملوكي: وفيه رويت الحكايات عن أهل المدن والشطار .
ومن الملاحظ أن الروايات المصرية تمثل ما يقر من نصف الكتاب، وتمت بين القرنين الخامس والعاشر الهجريين .
فالطور الفاطمي يتميز عامة بأسلوب مهذب نسبياً، وبينَّ الزيات أنه يوظف الأرصاد والطلاسم؛ أما الطور الأيوبي فإن أهم ما يمثله زيادة على إعادة صياغة "عمر النعمان" المحتملة حكاية: نور الدين ومريم الزّنارية وحكاية الصعيدي وزوجته الإفرنجية؛ وفي عهد المماليك تأزمت الأوضاع الاجتماعية بصورة دفعت فريقاً من الناس على التحيل واللصوصية، وفريقاً آخر على الزهد والتصوف، فأضيفت حكايات مثل: علي الزئبق، أبو قير و أبو صير، حكاية ملك الموت، علاء الدين أبو الشامات، معروف الإسكافي، حكاية المرأة الصالحة في بني إسرائيل .
فتعاقبت الإضافات وقد تواصل التأليف إلى القرن السادس عشر، وهناك قرائن تدل على أن بعض الحكايات يمكن تأريخها مثل حكاية: "شمس الدين ونور الدين" التي ألفت بعد حكم الظاهر بيبرس أي عام 676 هـ و "مزين بغداد" التي يعود عهدها إلى عام 819 هـ 
فالكتاب نتيجة تراكمات ثقافية مختلفة يمكن فرزها اعتماداً على مجموعة من المقاييس.

ردود الفعل المختلفة تجاه الكتاب
تجاهل العرب كتاب ألف ليلة وليلة حيث اعتبر كتاب ألف ليلة وليلة من التراث الشعبي رغم أنه مدون بلغة متفاصحة، متفاوتة المستويات، وللتراث الشعبي في الدراسات المعاصرة أهمية كبيرة لأنه منطلق لعديد من البحوث الأنتروبولوجية التي تهتم بأصل الإنسان وعاداته وتصوراته الذهنية ودلالة تخييلاته على معتقداته. - واكتشف الباحثون الأوربيون ما للكتاب من قيمة فأخرجوه لأول مرة مطبوعاً في ترجمة فرنسية، ثم نشروه في لغته الأصيلة ودرسوا أصوله ومخطوطاته ومعانيه ووظفوه في إنتاجهم الفني والأدبي. 
ويقابل هذا الاهتمام المتزايد بالكتاب عند الغربيين عدم اكتراث الدراسات العربية به وذلك يعود لعدة أسباب: 
1- نظرة محافظة إلى التراث: فلا يعتبر جديراً بالأهمية إلا ما كان مدوناً في لغة فصيحة والمؤلف معروف، أما الإبداع الشعبي المجهول المؤلف فإنه لم يكن يحظى بالاهتمام. 
2- عدم الاكتراث بعفوية هذا الإبداع الشعبي وصدق إلهامه وأبعاده المختلفة الضاربة في أعماق النفس البشرية، وقد كانت النخبة ترفض نشر الحكايات لأنها كانت تعبر عن انشغالات ورأي الجماهير الشعبية. 
3- تشويه بعض الرواة والنقاد وأصحاب المعاجم لقيمته الفنية، فابن النديم مثلاً يصرح في الفهرست بقوله: "وقد رأيته أي "ألف ليلة وليلة"  وهو بالحقيقة كتاب غث بارد الحديث تلوكه ألسنة العامة". 
4- نظرة دينية وأخلاقية للأدب ترفض كل ما كان خارجاً عن القيم السائدة، وتنفر من كل ما ليس موجهاً إلى الخاصة الحاكمة أو الخاصة المثقفة، وقد يندرج في هذا الإطار موقف أبي حيان التوحيدي من هذا الجنس الأدبي فهو يقول في "الإمتاع والمؤانسة": "ولفرط الحاجة إلى الحديث ما وضع فيه الباطل، وخلط المحال، ووصل بما يعجب ويضحك، ولا يؤول إلى تحصيل وتحقيق مثل: "هزار أفسانة" وكل ما دخل في جنسه من ضروب الخرافات .
5- اقتران التخريف عادة بالعجائز والأطفال قصد جلب النوم للصغار أو تخويفهم بالجن والأشباح، ومن جهة أخرى اقترن التخريف بالتخدير وصرف الانتباه عن الوعي بالقضايا الأساسية.
6- هناك قول عربي قديم ينظر إلى هذا الكتاب بوصفه حكايات لا تناسب سوى الجهال والتافهين والنساء والأطفال، وفي الغرب كان هناك رأي يقول: إن هذه الليالي العربية تناسب أصحاب العقول الصغيرة. 
لهذه الأسباب أعرض المثقفون المسلمون عن هذا التراث وانصرفوا عنه إلى الأدب المدون الفصيح، إلا أن ما يعتبره البعض كذباً ليس في الواقع إلا خيالاً دالاً من وجهة نظر البحث على عقلية أصحابه وتصوراتهم الجماعية، والملاحظ أن الكذب في الشعر مقبول وربما كان مقياساً للحسن لكنه في الحكايات مرفوض رغم قول الرسول: إن "خرافة حق" مشيراً إلى المغامرات العجيبة في "حديث خرافة"
كيف عرف الغرب أسطورة ألف ليلة وليلة؟  
حين يحاول دارسو الأدب المقارن رصد المؤثرات الأولى لليالي العربية سيجد أمامه ترجمتين رئيسيتين: 
1- في فرنسا لجالان في عام 1704 .
2-  في إنجلترا لمجهول عرفت باسم قراب ستريت في عام 1706 م .
وإذا كانت ترجمة جالان هي الأكثر شهرة وإثارة وتأثيراً، فيجب القول إن شهرزاد وأسطورتها قد عرفت قبل ذلك في أوروبا بالنقل الشفوي ولعدد من القرون. 

المرحلة الأولى: مرحلة النقل الشفوي 
يرى "فريدرش فون ديرلاين" أن الازدهار الثاني للحكاية الخرافية بدأ منذ القرن الحادي عشر في الشرق وبدءاً من هذا القرن عرف العرب شهرزاد ولياليها، وإن كانت بدرجات أقل مما عرفت به في القرن الثامن عشر فمن المعروف أن أوروبا عرفت الحضارة الشرقية، وأطلت على علومها وآدابها منذ الحروب الصليبية، ثم توالت المؤثرات حين احتكت بعد ذلك بالقسطنطينية شرقاً والأندلس وصقلية غرباً، ومن ثم بدأت آثار ألف ليلة تتسرب شفاهياً إلى جميع البلدان، وإلى جنوب ألمانيا وأسبانيا والبرتغال وإلى القصة الإنجليزية بل ودخلت بعض مسرحيات شكسبير؛ حتى إذا ما وصلنا إلى القرن السابع عشر نجد أن عدد الكتب التي عرفتها أوروبا في هذا القرن فقط تصل إلى نيف ومائة كتاب.

المرحلة الثانية: مرحلة ترجمة الكتاب  
هناك حقيقة تاريخية تقول: إن "ألف ليلة وليلة" طبعت باللغة الفرنسية قبل أن تطبع باللغة العربية بمائة وعشرة أعوام؛ ذلك أن ترجمة أنطوان جالان قد ظهرت بدايتها في عام 1704 م بباريس إلى 1717 م. 
على حين أن طبعة "كلكتا" وهي طبعة عربية كانت في عام 1814 م، وتلتها أول طبعة للكتاب داخل الوطن العربي في بولاق بالقاهرة عام 1835 م أي بفارق مائة وإحدى وثلاثين عاماً عن صدور الكتاب في فرنسا، وهو فارق زمني ليس هين القيمة ولا قليل الأثر، فلم يكن ذلك القرن كغيره في تاريخ أوروبا بل كان عصر التنوير، وفي الوقت ذاته كانت "ألف ليلة وليلة" في موطنها الأصلي راويات مشافهة متناثرة أو مخطوطات مودعة في خزائن الكتب العامة أو الخاصة أو في دكاكين الوراقين.
ترجمة جالان  
كانت أول رحلة لشهرزاد نحو الغرب برفقة فرنسي يدعى أنطون جالان، وأنطون جالان 1646 – 1715 م أول من نقل "ألف ليلة وليلة" إلى أوروبا كان سفيراً لفرنسا في القسطنطينية، وقارئ الملك للآداب الشرقية، وكان مغرماً باقتناء الآثار الفنية ومختصاً باللغات العربية والفارسية والتركية وقد قام بترجمة القرآن الكريم إلى الفرنسية .
لم تعرف أوروبا من قبله هذه الليالي إلا فيما يظن من نقل بعض التجار الإيطاليين العائدين من الشرق في القرون الوسطى لبعض حكايات هذا العمل وهو ظن مبعثه ظهور التكنيك الفني القائم على فكرة وجود "قصة إطار" واسعة تتخللها وتتداخل فيها قصص جزئية متلاحقة – وهو تكنيك ألف ليلة وليلة – في بعض الأعمال الإيطالية .
وجاء جالان فدرس الآداب الشرقية في باريس على يد هربرلوت صاحب أول دائرة معارف عن الشرق في أوروبا، والتي ظلت بالنسبة لكبار الأدباء الأوروبيين منذ فولتير حتى غوته وبايرون ونرفال مرجعاً أساسياً عن الشرق وحضاراته ودياناته، والذي كان جالان نفسه هو الذي تولى إخراجها بعد موت أستاذه فرفعت اسميهما معاً.
عمل جالان سفيراً لفرنسا في تركيا في عهد لويس الرابع عشر، وهناك أجاد التركية والفارسية والعربية، ورحل إلى جزر البحر المتوسط وسوريا وفلسطين، وأقام بها نحو عامين، وفي إحدى زياراته لمدينة حلب حمل معه مخطوطة لألف ليلة وليلة يرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وتتكون من ثلاثة أجزاء وتعد من أفضل مخطوطات "ألف ليلة وليلة" ومازالت محفوظة حتى الآن في باريس في المكتبة الوطنية تحت رقم: 3645 . 
وبدأت ترجمة جالان لهذه المخطوطة تظهر ابتداء من عام 1704 م، وخلال 1709 م التقى جالان براهب مسيحي من حلب يدعى حنا كانت لديه مخطوطة تحتوي على أجزاء أخرى من الليالي أهمها قصة "علاء الدين والمصباح السحري"، لكن الأكثر أهمية أن هذا الراهب كانت لديه حكايات شفوية دونها جالان عنه، وأصدرها في أجزائه اللاحقة، فأسهمت الطبعة الفرنسية بذلك في تدوين ما لم يكن من قبل مدوناً من هذا العمل الكبير، ووصلت بذلك كله طبعة جالان 12 مجلداً. 
كانت ترجمة جالان هي التي فتحت الباب لمعرفة "ألف ليلة وليلة" في فرنسا، ولم تكن هذه الترجمة ترجمة حرفية للمخطوطة التي عثر عليها جالان في حلب بقدر ما كانت فرنسة لحكايات هذه المخطوطة ولغيرها مما أضافها فيما بعد إليها وذلك ليضمن نشره فطهره مما يخدش الحياء، وأخضعه لمعايير الذوق واللباقة ليتماشى مع مقتضى الحال، وحرص على الجمع بين التثقيف والترفيه، واستبعد جالان الشعر تماماً من ترجمته لصعوبة صياغته طبقاً للأوزان والبحور، كما حرص في اختياره للحكايات التي ينقلها على إعطاء الأولوية لتلك التي يعلم سلفاً أنها ستلاقي هوى في النفوس وهي حكايات الرحلات والسحرة والجان، ونلاحظ أن تصرف جالان لا يعني الخروج على الأصل بقدر ما يعني النجاح في العثور على لون الأسلوب الذي يصل قارئه بالنبع السحري لهذه الحكايات، وتوالت الترجمات بعد ذلك لتشمل معظم اللغات الأوروبية.


كيف استقبلت فرنسا ومن بعدها أوروبا "ألف ليلة وليلة"؟ 
أثارت "ألف ليلة وليلة" بعد أن نقلت إلى لغات الغرب شغفاً في نفوس الغربيين بجمع الأدب الشعبي، ودراسته على نحو لم يكونوا قد بدؤوا يحسون الحاجة إليه، أو الحافز نحوه، ولكنهما من ناحية أخرى قد أثارت في نفوسهم التطلع إلى معرفة هذه الشعوب التي أنتجت هذا الأثر والتي دارت حوادث الكتاب حولهم، بل إن كثيراً من قوة حركة الاستشراق تعود إلى ما ترك هذا الأثر في نفوس الغربيين، فقد تاق الأدباء قبل ظهور هذا الأثر قليلاً ومن بعده كثيراً إلى زيارة هذه البلاد الشرقية، ثم دونوا رحلاتهم كتباً انتشر ، فإذا المستشرقون بعد أن كانوا يكتفون بما يصل إليهم من كتب عربية أو غربية عن الرحلات وبعض المسائل العلمية الشرقية يحاولون هم أنفسهم أن يزورون هذه البلاد العربية خاصة والشرقية عامة ويتعرفوا لغاتها وعاداتها، ولقد كان الاستيعاب والتمثل والتأثر بكتاب ألف ليلة وليلة أبعد كثيراً مما يظن للوهلة الأولى، ويمكن أن نشير هنا إلى مرحلتين متميزتين:
مرحلة القرن الثامن عشر: وهي مرحلة السريان والتأثر، ثم مرحلة القرن التاسع عشر والقرن العشرين: مرحلة الدراسة والتحليل. 
كان الناس ينتظرون مجلدات "ألف ليلة" بنفاذ صبر الواحد تلو الآخر، وشاعت موجة لمحاكاة "ألف ليلة" تأليفا أو ترجمة، ففي عام 1712 م ترجم "بنى دي لاكروا" كتاب "ألف يوم ويوم" عن الفارسية، وكتب عام 1714 م "مغامرات عبد الله بن حنيف" ، وترجم "نيبون" في نفس الفترة عن اللغة التترية ما أسماه "ألف ربع ساعة وربع" وشاعت موجة ترجمة القصص الشرقي المغولي والتتري والفارسي بحثاً عن كنز دفين كالذي عثر عليه ( أنطوان+ جالان ) وشاعت موجة محاكاتها من فولتير وديدور حتى الأدباء الناشئين. 
على مستوى آخر من التأثير الذي أحدثته "ألف ليلة وليلة" في الفكر الفرنسي بدأ الاهتمام بدراسة التاريخ والحضارة العربية والإسلامية وكتب لامار عام 1708 م "كنا نظن من قبل أن المجد التاريخي محصور في الإغريق والرومان، ولكن بعد أن قرأنا عن الشرق نستطيع أن نقول أن الرقي والعلم يوجدان في كل مكان"  .
وامتد تأثير "ألف ليلة وليلة" إلى جوهر فكرة وفلسفة المجتمع الأوروبي في ذلك القرن؛ يقول البروفيسور جون لمبير: إن شخصية شهرزاد أثرت تأثيراً حاسماً في تاريخ المرأة الأوربية، وجعلت من القرن الثامن عشر أعظم القرون في حياتها، وكان لجمالها وثقتها في نفسها، وتصديها وحدها لشهريار الذي عجز كل الرجال عن أن يوقفوه، واستخدامها لسلاح الأنوثة والمعرفة معاً، كان لهذا كله أثر كبير في تكوين شخصية المرأة الأوربية؛ ويضيف: إن فكرة الحب في أوروبا لم تعد بعد ظهور "ألف ليلة وليلة" كما كانت قبلها، فلقد كان ديكارت منذ القرن السابع عشر قد حول بفلسفته شعور الحب إلى شعور عقلي محسوب النتائج، وكان كورني قد أخضعه لفكرة التقاليد الكلاسيكية، وأصبح عند راسين لوناً من الضعف، لكن "ألف ليلة وليلة" جعلت الحب مصدر المتعة الحقيقي، حيث يبدو القانون الطبيعي سيداً يعلو على كل الحواجز والنصائح التي تحول بين الكائن البشري وبين تحقيق ذاته. 

ما هو سبب الاهتمام العالمي بالكتاب؟  وما هي الدوافع الحقيقية التي بوأت الكتاب هذه المنزلة؟
يمكننا الانطلاق من ثلاث شهادات مختلفة تؤكد قيماً مختلفة في الكتاب: 
الشهادة الأولى: لباحث ألماني هو فون دير لاين الذي يقول في كتابه: الحكاية الخرافية ما يلي: "ويبقى بعد ذلك قيمة العرب الخالدة من حيث أنهم خلقوا عن طريق فنهم في الرواية صوراً جديدة كل الجدة، سواء من خلال تلك الحكايات التي نشأت عندهم، أو تلك التي أخذوها من الشعوب الأخرى، تلك الصور التي تأسرنا دائماً عن طريق روعتها التي تنبع من حياة البذخ، وطراوتها المستسلمة الباقية وفنها المليء بالمغزى، وفكاهتها المثيرة، ولا نود أن نعد من قبيل الصدفة أن أبرز الفرنسيون أنفسهم هذا الفن لغيرهم من شعوب أوروبا ، فقد أدركوا ما في تلك الحكايات من سحر ورقة ودقة مشاعر ورهافة مغزى وكذلك ما فيها من تصاوير غريبة".
الشهادة الثانية: وتتعلق بجانب أخر يهم الخلفية الاجتماعية لرني خوام: "يصاب الجسم الاجتماعي بالحمى مثل الجسم البشري تماماً مع فارق وحيد وهو أن سبب الحرارة يعود عن قصد أو غير قصد إلى سياسة غير واضحة أو إلى عدم توازن اقتصادي يعمق الهوة بين الأفراد والجماعات، وإن كتاب ألف ليلة وليلة يعطينا عن ذلك صورة تكيفها الضغوط التي تفرضها على المؤلف ظروف الخلق الأدبي نفسه". 
الشهادة الثالثة: تتعلق بالمتعة الفنية في الكتاب، وهي لأندريه ميكال يقول: "لا أحد يمكن أن يعترض على تذوقنا لهذا الأدب الهادف إلى المتعة المطلقة، فإن ألف ليلة وليلة هو الكتاب الوحيد في الأدب الكوني الذي يرغبنا بسحره وكذلك بحجمه في إعادة قراءته كلما انتهينا من قراءة آخر صفحة، إنه كالمتعة تماماً أو كالليل الخلاق الذي يحمل الكتاب اسمه وصورته"، ثم يضيف: "ومع ذلك هل يمكن أن تكون المتعة بمثل هذه البراءة والليل بمثل هذا الصفاء؟ "إذن فليس أحسن من هذه النصوص التي تحمل إلينا رسالة بدون أن يظهر ذلك عليها. 

الخصائص التي جعلته من تراث الإنسانية 
اعتبر الكتاب من تراث الإنسانية لتوفر العديد من الخصائص فيه أهمها: 
1- احتواؤه على مجموعة من القيم الإنسانية التي يتأثر بها الإنسان مهما كان عصره أو موطنه، فقد غاص في أعماق النفس البشرية وسبر أغوارها وعبر عما يختلج فيها من مشاعر وعما يشغل الفكر من هموم. 2- تفاعله مع المحيط الذي أفرزه في حق متعاقبة فلا شك أن للرواة رسالة خفية يمكن إدراكها من خلال بنية الحكايات ولهجتها وأبعادها .
3- ما فيه من متعة فنية ناتجة عن تداخل الرواية، وصور خيالية طريفة ومتجذرة في الواقع المعاش في نفس الوقت. 
ولذا اهتم الباحثون في العالم بالكتاب في جوانبه المختلفة: 
1- بحثوا في سلم القيم والظروف المفرزة له. 
2- اهتموا بفنياته ووظائفها. 
3- بحثوا في أصوله ومصادره المختلفة ومادته المكونة له .
4- صنفوا حكاياته إلى أنواع باحثين عن مختلف الأجناس الأدبية المتواجدة فيه .
5- حققوا نصوصه وصنفوا مخطوطاته إلى أسر .
6- ترجموه كلياً أو جزئياً .
7- اقتبسوا منه قصصاً للأطفال وأوبرات وقطعاً موسيقية ومسرحيات وروايات وأشعاراً. 
8- واصلوا حكايات شهرزاد على نفس النمط مع تكييفها ..
ثم اهتم العرب بدورهم في هذا الكتاب فبحثوا في مصادره (أحمد حسن الزيات، أحمد أمين) وفي مضمونه (سهيرالقلماوي) وفي علاقته بالبيئة المفرزة له (إحسان سركيس) واستلهموا مواضيع مسرحية منه (توفيق الحكيم، علي أحمد باكثير ) وقصصية (طه حسين) 
ونتج عن كل هذه الدراسات أن الكتاب شرقي في بعض مكوناته، عربي في تصوره النهائي ولغته وأسلوبه، إنساني في قيمه وأبعاده ومتعته الفنية؛ وهو مصدر ثري لعديد من البحوث المتعمقة بحكم قيمته الأدبية والفنية وحتى الوثائقية.


رحلة شهرزاد بين الشرق والغرب  
شهرزاد هو اسم الفتاة العربية التي تقص حكايات ألف ليلة وليلة، ويتكون اللفظ من كلمتين فارسيتين "تشهر" و "زاد" وهما تعنيان: العريقة الأصل
على الرغم من أن اسم "شهرزاد" فارسي الأصل إلا أنه تحول إلى اسم شرقي عربي قلباً وقالباً. 
إن شهرزاد الأميرة أو الملكة عرفت في الغرب على أنها صاحبة ليالي السمر العربية أو الليالي العربية كما دارت حكاياتها في المحور الجغرافي العربي ثم حملت الفكرة العربية سواء في الشرق قبل أن ترحل إلى الغرب أو في الشرق حين عادت إليه مرة أخرى. 

مفاتيح شخصية شهرزاد الشرقية  
1- تمتاز شهرزاد بثقافة واسعة، يؤيد هذا مكي الطاهر أحمد حيث يقول: لم تكن شهرزاد على شاكلة غيرها من النساء، فهي تعتمد كثيراً على درايتها وفطنتها ومعرفتها الواسعة، فقد ألمت بوضع شهريار النفسي أكثر من غيرها من النساء، فجاءته بمجموعة من القصص تشاغله بها كل ليلة، تسحره تارة وتدغدغ عواطفه تارة أخرى، تريحه مرة وتداوي جرحه مرات، وتدريجياً تكسب ثقته وتنمي في أعماقه الزهو ولكنها تذكر إلى جانبها أقاصيص أخرى عن وفائهن وذكائهن وإخلاصهن ولم تزعجه بالمواعظ المباشرة وإنما أسعدته بالحكايات المشوقة والنوادر الطريفة وأثارت عنده ولعاً بهذا الفن لمدة ألف ليلة وليلة، ويؤيده الغذامي في ذلك حيث يقول :وتمتلك شهرزاد ثقافة هي ثقافة السيدات، وليست ثقافة الجواري، فهي تقرأ وتحفظ التواريخ والكتب، ولا يدخل في دائرة معارفها شيء عن الطرب أو العزف أو ضرب العود، وترى المرنيسي أن استراتيجية شهرزاد تميزت بمعرفتها الواسعة، وكانت هذه الخصلة ذات طبيعة ثقافية إذ أن شهرزاد قد تلقت التعليم الذي كانت تستفيد منه الأميرات وكانت ثقافتها موسوعية حيث قد قرأت الكتب والمصنفات والحكمة، وكتب الطيبات، وحفظت الأشعار، وطالعت الأخبار، وعلمت أقوال الناس وكلام الحكماء والملوك. 
2- تمتاز شهرزاد بالذكاء الحاد، ويتمثل ذلك – كما ترى المرنيسي - في قدرتها على خلق التشويق قصد شد انتباه شهريار، فهي تدري كيف تختار وتنسج كلماتها لكي تنفذ كسهام إلى روح شهريار وبذلك تواجه العنف بالحوار، واعتماد الكلمة كسلاح وحيد في صراع قاتل وما يشكله من اختيار جريء ونادر، ويؤيد ذلك ما قالع عبد الغني: إلى هذا الحد استطعنا أن نميز الفواصل بين شهرزاد الشرقية المرأة الذكية، التي استطاعت أن تتصدى للحاكم المستبد فترغمه وترغبه في أن يحول تيار العنف والانتقام إلى تيار التسامح والحكمة، وأن تفعل ذلك كله بعقلها.
3- هدوءها وقدرتها على التحكم في الموقف رغم الخوف إلى الحد الذي تحتفظ معه بوضوح أفكارها، وتتسلم زمام اللعبة بدلاً من الانقياد للخصم، وقد استطاعت أن تحكي له مئات الحكايات التي تكرر نفس الحبكة إلى ما لا نهاية. 
4- الثقة بالنفس، وهذه الثقة تشكل جوهر فن التواصل، وتجعلها مثيرة للإعجاب، وتؤمن بقدرة الكائن على تغيير قدره، وأن احترام الذات هو سر النجاح. 
5-  لياقتها الكلامية، وبلاغتها، وامتلاكها طلاقة اللسان والقدرة على التعير والحكي. 

ولكن هل بقيت خصال شهرزاد الشرقية هي؛ هي حين رحلت إلى الغرب برفقة غالان؟ 

مفاتيح شخصية شهرزاد الغربية  
1- تغليب العاطفة على العقل، والاعتداد بالقلب، ونلمس ذلك مما ذكره محمد غنيمي هلال حين قال :وانتقلت شهرزاد إلى الآداب الأوروبية صورة لمن يهتدي إلى الحقيقة ويهدي إليها عن طريق القلب والعاطفة وكانت القصص التي حكتها شهرزاد عند الأوروبيين ترمز كذلك إلى القضية الرومانتيكية الكبرى في نصرة القلب والعاطفة على التفكير المجرد؛ ولكن لماذا تغلب شهرزاد العاطفة على العقل؟ ذلك لتساير الحركة الرومانتيكية في توجهاتها كما يشير إلى ذلك محمد غنيمي هلال:  وقد حملت ألف ليلة وليلة كثيراً من قضايا الرومانتيكية منها الهرب من واقع الحياة في عالم خيالي سحري، ومنها السخرية بالملوك إذ أن شهرزاد قد هدت الملك إلى إنسانيته وردته عن غريزته الوحشية لا بواسطة المنطق بل بالعاطفة فصارت رمزاً للحقيقة التي يعرفها المرء عن طريق هذا الشعور والحب، وبهذا المعنى انتقلت شهرزاد إلينا في أدبنا المعاصر بفضل تأثير الآداب الأوروبية. إذن: جردت شهرزاد من ذكائها حين غادرت الشرق وعبرت الحدود إلى الغرب. 
2- إغراق شهرزاد في الاهتمام بالزينة والمبالغة في التجمل ومواكبة أحدث ما أنتجته دور الأزياء، وحرصها على اقتناء العطور والمجوهرات، ويؤيد هذا ما قاله مصطفى عبد الغني: وقد ظلت شهرزاد بشرقيتها ووضوحها وأنوثتها حتى عرفها الغرب فيما بعد، فقام بجهود كبيرة في دفعها للرحيل إلى هناك وترددت شهرزاد وأمعنت في التردد ووصلت إلى حد الحيرة، فما أن حل القرن الثامن عشر حتى رحلت إلى أوروبا بعد قرن كامل من المعاناة لأن الغرب كان يعيش القرن الثامن عشر وهو عصر التنوير لكونه كان يموج بعديد من التيارات والعواصف والانقلابات في الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية، حيث حاولت شهرزاد أن تتمسك أمام ذلك كله بإطارها وملامحها الشرقية، وعبثاً حاولت ذلك طيلة قرن آخر دون جدوى فقد ارتدت ثياباً جديدة وأفكاراً أجنبية واردة عليها وحياة غريبة وعاشت حضارة كانت نتاج فكر أوروبا وتطوراتها التاريخية، ويضيف: عادت شهرزاد الغرب إلى الشرق حيث كانت ربوعنا تحيا واقعاً مريراً وقاسياً وحاول الشرق خلاله أن يفتح لها ذراعيه المعروقتين، وهو ينفض الغبار عن عينيه الكليلتين وفاته في حرارة اللقاء أن شهرزاد العائدة ليست هي شهرزاد الأصل لا في ملابسها ولا في أفكارها أو لسانها أو في طبيعتها العربية الإسلامية، ليست هذه شهرزاد وإن كان الاسم هو الاسم والرسم هو الرسم؛ وتعلق المرنيسي على هذا الموضوع: ارتبطت صورة المرأة الشرقية بمواد التجميل، والواقع إن الجمال والتزين يشغلان مجالاً واسعاً في حكايات ألف ليلة وليلة، حيث نجد الرجال والنساء يقضون وقتاً كبيراً في الاغتسال والتعطر والاعتناء بذاتهم قصد الإغراء، ويبدو أن هذا الموضوع قد حقق في الغرب نجاحاً أكثر من التخريب السياسي، وهكذا دخل الكحل والحناء إلى مستودع مواد التجميل في البلاد الغنية كمثل على الاستعمار المعكوس. 
3-الجمال الجسدي والمهارة في فنون الإغراء، ونستشهد هنا بتعليق مصطفى عبد الغني: أما شهرزاد الغربية التي تبدأ حكاياتها في الليلة الثانية بعد الألف فحركاتها تزخر بضروب من الإثارة الجنسية والذكاء الفطري، فقد عرفت شهرزاد في الغرب في فترة سادت فيها الرومانسية ومن ثم حملت كل ملامح التيار الرومانسي بما عرف من إيثار للحرية وتأكيد لشخصية الفرد، وترك الحبل للمشاعر الانفعالية فإن القوة التي لا تخدع هي القلب، كما تميزت القصص التي استوحت شهرزاد بتغليب العامل الجمالي، وذلك يعني معارضة النزعة القديمة التي كانت تؤثر الحقيقة على أي شيء آخر إلى درجة أن دي موسيه أحد رواد الرومانسية يرى أنه "لا حقيقة سوى الجمال ولا جمال دون حقيقة" وهنا تضافر إيثار العاطفة على العقل وإيثار الجمال على الحقيقة لتحقيق ثورة جديدة في الأدب، ويضيف: لذا لم تكن شهرزاد توصف بغير جمالها الفاتن وبغير جنسها المثير وهذا ما نلمسه بين أسطر جالان، ومن ثم ارتدت هذه المرأة القوية غير العادية، العنيفة، النهمة جنسياً، ارتدت أثواب الغرب أو أجبرت على ارتدائها لتتحول إلى امرأة مثيرة. 
لقد كانت هذه المرأة غريبة بالفعل إلى درجة أنها وصفت بالمرأة الجميلة الخلابة المغرية جنسياً، الماكرة الحكيمة، اللغز الساحر بغموضه والتي عالجت شهريار من مرضه، وحقيقة لم تكن تلك شهرزاد، بل شهرزاد الغرب التي واجهها مفكرونا العرب حين توجهوا للارتواء من حضارة الغرب التي انقسموا حولها ما بين قابل لها شديد الإعجاب أو رافض لها محتاراً، لقد حملت شهرزاد هوية عربية منذ القرن الثالث عشر الميلادي حاولت الحفاظ عليها لخمسة قرون حتى اضطرت للرحيل إلى الغرب إبان تأجج الحركة الرومانسية واضطرابها. 

تمثال شهرزاد في بغداد
لمحة عن حياة النحات العراقي حكمت وبعض أعماله:
ولد حكمت في بغداد عام 1929 تخرج من معهد الفنون الجميلة عام 1953 وحصل على دبلوم النحت من أكاديمية الفنون الجميلة في روما عام 1959، وحصل على دبلوم الميداليات من مدرسة الزكا في روما أيضاً عام 1957، كما حصل على الاختصاص في صب البرونز فلورنسا عام 1961وتوفي في 17 سبتمبر 2011 في عمان، الأردن.
ساهم عبد الغني حكمت في أغلب المعارض الوطنية داخل القطر وخارجه وحصل على جائزة أحسن نحات من مؤسسة كولبنكيان عام 1964، وله مجموعة من التماثيل والنصب والجداريات في ساحات ومباني العاصمة بغداد منها تمثال شهرزاد وشهريار، علي بابا والأربعين حرامي، حمورابي، جدارية مدينة الطب ونصب السندباد البحري في مدخل فندق الرشيد والمتنبي وبساط الريح والخليفة أبو جعفر المنصور والجنية والصياد، إضافة إلى أعمال أخرى لا تحصى، منها 14 لوحة جدارية في إحدى كنائس بغداد تمثل درب الآلام للسيد المسيح.

وفي الختام أترككم مع هذا الفيديو الذي يعرض برنامج وثائقي وموضوع الحلقة هو عن شهرزاد في بغداد.. فأنصتوا علها تهمس لكم بعض من حكاياها.





هناك تعليقان (2):



  1. يتميز عزل الفوم عن غيره من مواد العزل الاخرى لكونه موفر للطاقه الكربيه المستخدمه من قبل اجهزة التكيفف المستخدمه فى المنزل نظرا لحمايته للسطح المعزول من الحرارة العاليه الناتجه عن اشعه الشمس وبالتالى يعود بالنفع على عدد ساعات تشغيل الكمبرسيور الخاص بأجهزة التكييف نظرا لانخفاض درجة حرارة السطح المعزول .

    وتنصح وزاره الكهرباء بالمملكه العربيه السعوديه جميع عملاؤها باستخدام عزل الفوم من منطلق حمله ترشيد استهلاك الكهرباء
    عزل فوم
    شركه عزل فوم بالرياض
    شركة عزل فوم بالرياض
    عزل فوم بالرياض
    شركة عزل فوم
    شركات عزل الفوم
    عزل فوم
    الفوم العازل للحرارة

    ردحذف