الصورة في الأصل لمتحف الفن الملكي ببلجيكا, ولكن أحد محترفي الفوتوشوب قام بتعديلها بهذه الطريقة. |
لهذا يمكن أن يعتبر الخداع البصري فن من الفنون الرائعة التي تجمع بين الذكاء وقوة الملاحظة والفكاهة في بعض الأحيان.
وهذه اللقطة مثالاً للخداع البصري وهي لأحد المسلسلات البريطانية ويدعى Benny Hill Show |
الخداع البصري أو الوهم البصري أو الوهم التخيلي كلها مصطلحات حديثة بمعنى واحد، وقد عرّفه أبو بكر الرازي بأنه: كل أمر خفي سببه، وتُخِيِلَ على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخُدَع.
وقديماً فيما سبق كان يسمى سحر التخييل؛ والسحر عموماً في لغة العرب يطلق على كل شيء خُفي سببه، ولطف ودق، ولذلك كانت تقول العرب في بيانها: أخفى من السحر، وقال الأزهري: أصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، فكأن الساحر لمّا رأى الباطل في صورة الحق وخيل الشيء على غير حقيقته قد سحر الشيء عن وجهه أي صرفه؛ كما وصفه تعالى في قوله: ﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ 66-طه
واصطلاحاً هو ذلك الفعل الذي يصوّر للناظر دائماً الصورة المرئية على غير حقيقتها؛ على الأقل في الحس العام، حيث تكون الرؤية خادعة أو مضللة، ومبنى هذا على أن القوة الباصرة قد ترى الشيء على خلاف ما هو عليه في الحقيقة لبعض الأسباب العارضة.
المستقيمات كلها أفقية متوازية رغم أنها لا تبدو كذلك |
أما التفسير العلمي لذلك أنّ المعلومات التي تجمعها العين المجردة وبعد معالجتها بواسطة الدماغ تعطي نتيجة لا تطابق المصدر أو العنصر المرئي، والخدع التقليدية مبنية على افتراض أنّ هناك أوهام فيزيولوجية تحدث طبيعياً ومعرفياً بالإضافة إلى الأوهام التي يمكن البرهنة عليها من خلال الحيّل البصرية الخاصة، والجدير بالذكر هنا أنه هنالك شيئاً أكثر أساسية عن كيفية عمل أنظمة التصورات البشرية، فالخدع البصرية إذاً هي صور ومشاهد مصنوعة مسبقاً بطريقة مدروسة لتظهر للناظر بطريقة معيّنة، وهي ليست كذلك كونها ضرب من التمويه والحيلة.
هذه الصورة قد تخدعك لأول وهلة لسوء نية ثم ستكتشف أنها مجرد قدم للفتاة الجالسة في الخلف |
صورة للخداع البصري |
قد تعتقد أن الفتاة الشابة التي خلف الفتاة ذات الرداء الأسود للوهلة الأولى أنها عارية..ولكن بالتدقيق سنلاحظ أنها ما هي إلا لصورة يد الفتاة ذات الفستان الأسود.
هل يمكن أن تتخيل يد الطفل بهذا الحجم الكبير؟ |
الأب التقط هذه الصورة ليده من زاوية يستطيع خداع الآخرين بها.
سيارة تتحرك بخدعة بصرية |
شاهد كيف تتحرك إطارات السيارة بالنسبة لخط سير الطريق، هل ترى كيف تتحرك هذه السيارة؟ هل للإمام أم لليسار أم للوراء، أم ماذا؟
حسب الموسوعة العلمية البسيكولوجية فإن المفهوم الأساسي والتعريف المبدئي للخداع البصري هو ذلك الفعل الذي يجعل الأشياء أو الأشكال أو الألوان ترى أو تدرك بطريقة كاذبة ومغايرة لماهيتها الأصلية وبخلاف حالتها الطبيعية؛ وبصيغة أخرى فإن الخداع البصري هو أنّه يخيّل لك أنك تظن نفسك ترى أشياءاً على حالة معيّنة؛ بينما الحقيقية مخالفة تماماً لما رأيت، وهذا يعود إلى "الخطأ التحليلي" لماهية وحقيقة الصور والمشاهد التي نراها، أي أنّه لا يوجد توافق بين ما تمّ تحليله في الإدراك وحقيقة الشيء، وخلاصة التعريف فإن مصطلح الخدعة البصرية يطلق على كل فعل يخدع النظام البصري للإنسان بدءاً من العين حتى الدماغ ويجعل الأشياء المرئية مخالفة لحقيقتها.
أنواع الخداع البصري
هناك أنواع عديدة من الخدع البصرية، وتتعدد بتعدد التقنية التي نستعملها للتحقيق الخدعة، وأساساً هنالك أربع أنواع وهي:
1- خدع متعلقة بالألوان "خدعة باكمان"
عند الرؤية إلى موضع معين نرى لون أو عدة ألوان ولكن ليست هذه هي الحقيقة دائماً؛ وذلك يدل على أن العين البشرية ترى الألوان بشكل متغير حسب المحيط.
قد تبدو الدائرتين مختلفتين... ولكن للدائرتين نفس اللون وقد خدع المخ بتدرج الألوان المربك بالصورة؛ والدليل:
لاحظ أن نقاطاً سوداء تظهر وتختفي على الدوائر البيضاء.
الظاهر أن العارضة الداخلية يتغير لونها هي الأخرى لكن ليس هذا هو الواقع؛ فلها لون واحد.
يظهر المربعان حرفا A و B بلونين مختلفين وهما في الحقيقة بلون واحد.
2- خدع متعلقة بالهندسة
يدعى هذا الشكل بمثلث "بانروز" نسبة إلى عالم الرياضيات "روجر بانروز" الذي رسم هذا الشكل ونشره في الجريدة البريطانية البسيكولوجية لسنة 1958
إنّ هذا الشكل الهندسي لا يمكن تحقيقه إلاّ عن طريق الرسم على الورق ببعدين هندسين اثنين، ويستحيل تجسيده في الواقع بثلاثة أبعاد، فهو شكل من أشكال الخدع الهندسية.
3- خدع متعلقة بتحريك الصور -الخدعة الثلاثية الأبعاد ذات الصورة المتحركة
لو قمنا بالتحديق في مركز الشكل التالي ثم قمنا بتحريك رؤوسنا إلى الأمام ثم إلى الخلف مرّات عديدة.
لتخيلنا أنا الحلقتين تدوران الواحدة بعكس اتجاه الأخرى، غير أن الأمر ليس كذلك فالحلقتين ساكنتين ولا تدوران بأيّ اتجاه، ويمكنا التأكد من هذا بأن نعيد التجربة كاملة محدقين في الدائرتين دون المركز فسنرى أنهما في سكون تام.
كذلك لو قمنا بتحديق في الصور التالية ستبدو أنها تتحرك، وعندما نعيد التجربة كاملة محدقين في الدوائر دون المركز فسترى أنهم في سكون تام.
4- خدع متعلقة بالأحجام والقياسات "خدعة ميلار ليار"
قد نرى أنّ الخط الذي يشكّل الرسم الذي على يسارنا رقم 1 أطول من الخط الذي يشكل الرسم الذي من جهة اليمين رقم 2، غير أنّ الحقيقة عكس ذلك، فالخطين متساوين تماماً ويمكننا التحقق من ذلك بعملية القياس.
إنّ الأسهم التي تحدّ طرفي القطعتين المستقيمتين توحي لأعيننا أنّ أحد القطعتين أطول من الأخرى، وهو تحليل خاطئ للدماغ ناتج عن الخداع البصري.
الفن والخداع البصري
عندما تمتزج مهارة الرسام في رسوماته بالخداع البصري.
هذه الرسومات الساحرة تم رسمها بأيدي الفنان التشيلي fredo الذي أبدع في هذه الصور, فكما ترى فالصور تبدو وكأنها مجسمة وثلاثية الأبعاد, ولكنها مجرد رسومات على الورق العادي، وهذه اللوحات مزيج من الفن والخدعة البصرية.
الخدعة البصرية للشرفة |
الخدع البصرية في الصورة
1- كأنها شرفة يطل منها الناس الموجدين فوق
2- أرضية يقف عليها هؤلاء العمال
3- الشرفة والأرضية كما لو أنهم في نفس المستوى أي على متوازيين
فن الرسم على الشوارع والخداع البصري |
الديكور والخداع البصري
تم الاعتماد فيها على زاوية رؤية المكان
|
كراسي بزوايا شفافة |
هنا تم الاعتماد على الشفافية لبعض الأقسام.
أما هذه فتم الخداع البصري بتماذج مع الأرضية.
السحر والخداع البصري
لهذا ومما سبق عمل السحرة على استغلال الوهم البصري الخداع المتعلق بالألوان لخداع الناس، بادعاء تغيير الأشياء، حيث أن تغيير الألوان قد يوحي للناظر بأن المتغير لونه قد تغير المظهر.
فالساحر هو أستاذ التحكم في الوعي والإدراك الإنساني بل أنه قد يكون بذلك أكثر خبرة وعلماً من خبراء وعلماء المخ والأعصاب أنفسهم، فهو يستطيع الخداع عن طريق تقنيات عديدة أشهرها على الإطلاق الخداع البصري والخداع الإدراكي، ويشاركهما الشهرة أيضاً الخداع الضوئي الذي يعتمد على استخدام الدخان والمرايا.
الخداع البصري في الألعاب السحرية
في هذا النوع من الخداع، إدراك العقل للمؤثر الخارجي أي الخدعة السحرية يكون مغاير لحقيقتها؛ حيث تقوم الشبكات العصبية في المخ بمعالجة المعلومات البصرية الصادرة عن الخدعة السحرية بطريقة تصل بالمشاهد في نهاية المطاف إلى إدراك خاطئ تماماً.
- انثناء الملعقة
في هذه الخدعة الشهيرة يدّعى "الساحر" قدرته السحرية على ثني المعلقة فقط بقدراته العقلية بمجرد النظر إليها!
والحقيقة بأن الساحر يقوم بإمساك الملعقة المنثنية سلفاً بشكل رأسي في يديه وبالتالي لا يلاحظ المشاهد أنها منثنية بالفعل، ثم يقوم بهز الملعقة إلى الأمام والخلف بحركة سريعة مع تثبيت نظره عليها حتى يخيل للمشاهد أن الملعقة أصبحت لينة عند العنق بل وتذوب وتنثني في يده! ثم يمسك الساحر بالمعلقة بشكل أفقي لكي يتسنى للجمهور مشاهدتها منثنية بالفعل.
- الخداع البصري في الألوان
هذه الخدعة تعتمد على تأثير بصري محض، في خدعة تغيير لون الثوب، حيث يقوم الساحر المزهو بنفسه مصطحب مساعدته الحسناء التي ترتدي ثوب أبيض اللون، يتحدى الساحر الجمهور بأنه قادر على تغيير لون ثوب مساعدته من الأبيض إلى الأحمر في طرفة عين! يركز الجمهور ببصره على المساعدة، ويحتفظ بصورة الحسناء ذات الثوب الأبيض على شبكية عينه، وفي هذه اللحظة يتم تسليط ضوء أحمر قوى على ثوب المساعدة، بالطبع هنا لا تكمن الخدعة وإلا كانت خدعة سمجة، ما حدث حتى الآن أن صورة الحسناء المحفوظة على شبكية عيون الجمهور تبدلت من اللون الأبيض إلى اللون الأحمر؛ فجأة ينطفئ الضوء الأحمر لثواني معدودة وتضاء الأنوار العادية ويفاجأ الجمهور بأن الحسناء أصبحت ذات ثوب أحمر بالفعل!
ولننظر إلى الخدعة نظرة العقل مرة أخرى، الخدعة تكمن في أن المساعدة الحسناء كانت ترتدي الثوب الأحمر بالفعل تحت الفستان الأبيض وكلا الثوبين مصنوع من مادة رقيقة لا تلاحظ ولا يمكن إدراكها؛ والهدف من تسليط الضوء الأحمر على الحسناء ذات الثوب الأبيض هو جعل اللون الأحمر هو اللون المنطبع على شبكية المشاهد وعندما تنزع المساعدة الثوب الأبيض ويظهر الرداء الأحمر فلا تميز العين هذه المرحلة الانتقالية من الأبيض للأحمر لأن اللون الأحمر كان منطبع سلفاً في عيون الجمهور.
هذه الظاهرة معروفة باسم "تأثير ما بعد الصورة" وهو أن الخلايا العصبية البصرية تظل محتفظة بالصورة بعد زوالها لمدة تصل إلى 100 ملى ثانية وهو وقت كافي لكي ينفذ الساحر الخدعة ويتركك في حيرة! تتكرر خدعة "تأثير ما بعد الصورة" هذه أمام أعيننا الآن على شاشة الحاسوب، إذ أن الصورة المعروضة أمامك على الشاشة الآن ليست ثابتة، بل هي تومض وتخبو flickr أمام عينيك بصورة متتالية ولكنك لا تلاحظ ذلك لأن الخلايا العصبية تحتفظ بالصور لفترة زمنية تسمح للصورة بأن تومض مرة أخرى دون أن تلاحظ أنت أي تغيير.
- اعوجاج الفضاء الثلاثي
اسم غريب تحمله هذه الفقرة ولكن التسمية تأتي من طبيعة الخدعة حيث يطلب الساحر من الجمهور أن ينظروا إلى قرص يدور يحتوي على ثلاث مناطق تتمدد وتتقلص مع دوران القرص حول نفسه مثل هذه الصورة.
ثم يعرض على جمهور أجسام وأشياء مختلفة فيبدو للجمهور أن تلك الأجسام تتقلص وتتمدد أيضاً في ظاهرة معروفة باسم "تأثير ما بعد الحركة" مثل أن تنظر إلى نهر جارى أو شلال يتدفق ثم تحول بصرك إلى الصخور الثابتة على ضفة النهر أو حافة الشلال فيهيأ إليك أنها تتحرك في الاتجاه المعاكس، وهذا التأثير من أوائل الخدع البصرية المكتشفة قديماً وكانت معروفة سلفاً باسم"خداع الشلال"
من الناحية العصبية تعرف هذه الظاهرة باسم"التأقلم العصبي"، بمعنى أن الخلايا العصبية تتأقلم على حركة التقلص والانكماش لذلك إذا نظرت إلى جسم ثابت بعد ذلك يظل التأثير قائم وترى التقلص والانكماش يحدث أمام عينيك.. يمكنك تجربة هذا التأثير بنفسك.
صورة تظهر كيف كان الساحر والنشال على اتفاق.. الأول يضلل الجمهور والأخر يسرق. |
هكذا علمنا أنه ليس كل ما تراه العين يكون صحيح، لأن المخ هو المتحكم الكلي في العملية الإبصارية وهو ما نطلق عليه الخداع البصري وفيه يمكنك أن ترى الملعقة تنثني بمجرد النظر إليها أو ثوب يتغير لونه من الأبيض للأحمر في طرفة عين، ولكن ماذا إذا كان الخداع يتم على مستوى أعمق بكثير..! من داخل المخ ذاته في خداع من نوع خاص وهذا ما يدعى الخداع الإدراكي.
- الخداع الإدراكي
يستخدم الساحر في هذا النوع من الخداع ما يعرف باسم"تشتيت الانتباه" بمعنى أنه يوجه إدراك المشاهد إلى اتجاه أخر حتى يداري حيلته فلا يفهمها الجمهور.
إذن فتشتيت الانتباه يقوم على جذب انتباه المشاهد بعيداً عن الأسلوب (السر وراء الحيلة) وتوجيهه إلى الحيلة ذاتها، وأسلوب تشتيت الانتباه يقوم على طريقتين إما "التشتيت الخفي" أو "التشتيت الصريح".
في تشتيت الانتباه الصريح يقوم الساحر بتحويل نظر المشاهد بعيداً عن الأسلوب مثل أن يقول الساحر للجمهور: "انظروا إلى يدي أو انظروا داخل القبعة"، إذن هو يقولها علانية للجمهور.
أما تشتيت الانتباه الخفي فيقوم على جذب انتباه المشاهد بعيداً عن الأسلوب وبدون تحويل نظره..! وهنا تكمن المهارة في أن الخدعة تتم أمام أعين الجمهور مباشرة وبدون حواجز إلا أن إدراكهم يكون في اتجاه أخر تماماً فلا يستطيعوا رؤية الحيلة، ويرى المجتمع السحري أن "تشتيت الانتباه الخفي" هو الطريق الأرقى في تشتيت الانتباه، وهو أحد النماذج الإدراكية الشهيرة في علم الأعصاب والمعروفة باسم "عمى التغيير" و "العمى الغير مقصود"
1- عمى التغيير
لكي ندرك مفهوم عمى التغيير لا بد وأن نشاهد أولاً حيلة تغيير لون أوراق لعب الورق أو الشدّة
في حالات "عمى التغيير" لا يستطيع المشاهد أن يميز التغيرات الحادثة أمامه مباشرة، سواء أكان هذا التغيير مقصود أو غير مقصود.
مفتاح الحل هنا أن يقارن بين المشهد قبل التغيير والمشهد بعد التغيير حتى يدرك حدوث تغيير فعلاً مثلما رأينا في حيلة تغيير لون ورقة الشدّة، فلم يكن المقصود من الحيلة تغيير لون الورقة بل تشتيت انتباهك بأن تركز إدراكك بالكامل على ورق الشدّة ولا تنتبه للتغيرات الجذرية التي تحدث في المشهد خلف الحيلة مباشرة..!
أشارت الدراسات إلى أن التغيرات الواضحة في المشهد لا يمكن أن تلاحظ إذا تمت أثناء رمش العين أو حركتها اللاإرادية، وكذلك أيضاً إذا تمت هذه التغيرات بشكل تدريجي.
2- العمى الغير مقصود
من أجل تطبيق خدعة سحرية حقيقة لحالة العمى الغير مقصود ومفهوم التشتيت الذهني نعرض خدعة العملات المعدنية التي يقوم بها الساحر المشهور "تيلر" حيث يعتمد تيلر على تشتيت الانتباه وخفة اليد ليعرض هذه الخدعة المعروفة باسم "حلم الرجل البخيل"
يبدأ تيلر الخدعة ممسكاً بــــ 6 من العملات المعدنية المخفية بيده اليمنى بينما يحمل بيده اليسرى دلو معدني، في الحقيقة يحتفظ تيلر يده اليسرى الممسكة بالدلو عدد 6 من العملات المعدنية مماثلة لتلك التي في يده اليمنى، ثم يبدأ خدعته متظاهراً بجلب العملات من الهواء أو من أي شيء يستطيع أن تصل إليه يده، من شعره، ومن ملابسه، أو من أذن أحد الجمهور ثم يضع كل عملة جديدة في القبعة بصوت مسموع داخل القبعة.
وعن طريق توجيه تيلر لنظره نحو يده اليمنى هو بذلك يقوم بتشتيت خفي للجمهور، إذن بطريقة لاشعورية ركز الجمهور بصرهم على يد تيلر اليمنى في حين تحقق هدف تيلر بتشتيت الجمهور عن يده اليسرى التي تحمل الدلو والتي يسقط بها العملات المعدنية التي لا يراها الجمهور من يده اليسرى.
في الحقيقة تيلر في كل مرة يخرج نفس العملة من يده اليسرى بينما ما زالت باقي العملات محتفظ بها في يده اليمنى ومستمر في إسقاط العملات الأخرى التي في يده اليسرى الواحدة تلو الأخرى مصدراً صوت مميز في قاع الدلو فيظن الجمهور أن ما أسقط في الدلو هي العملة التي في يده اليمنى.
يبدأ الجمهور بالشك في تيلر وأن العملات مخبأة سلفاً في يده اليمنى، يقوم تيلر ببساطة بإسقاط 5 من العملات التي يحملها في يده اليمنى في حركة واحدة وهو ما يدهش الجمهور لأنه من المستحيل أن يخبأ تيلر 11 عملة، وهي الـــ 6 عملات التي أسقطها فرادى بالإضافة للـــ 5 عملات التي أسقطها بحركة واحدة؛ يجلب تيلر العملة الأخيرة من الهواء وهى أخر عملة أيضاً مخبأة سلفاً في يده اليمنى والتي يظهرها للجمهور ليؤكد على حقيقة أنها فارغة!
وأخيراً يقوم تيلر بهز الدلو ليبين للجمهور و 11 عملة بداخله في نفس اللحظة التي يمسك فيها بأخر عملة جلبها من الهواء.
في الخدعة السابقة نرى تطبيق أسلوب تشتيت الانتباه بشكل واضح في حالة من "العمى الغير مقصود" فهو في هذه الحالة عمى إدراكي عن كون العملات موجودة مسبقاً في كلتا يديه اليمنى واليسرى ولكن بسبب تشتت الجمهور في "التركيز" في شيء أخر وهو التلاعب بجلب العملات من الهواء أو من أي مكان كان؛ أدى إلى حالة "عمى" عن الأسلوب كما ذكرنا سابقاً.
هل هو خداع للعقل أم خداع للعين؟
لقد كان العلماء بحاجة ماسة إلى معرفة آليات المخ والإدراك وراء الخدع السحرية لكي تنجح، وكانت أول الدراسات في هذا المجال عام 2005 بواسطة الباحثين "جوستاف كون" و "بينجامين تاتلر"، وأحد خطوات تجربة الباحثين كون وتاتلر القيام بعرض خدعة سحرية على الأشخاص محل التجربة بينما يتم ملاحظة وقياس حركة العينين.
قام "كون" بعرض خدعة سحرية بإخفاء سيجارة خلف المنضدة وكان الهدف من الخدعة الإجابة عن سؤال وهو: هل السبب وراء عدم فهم المشاهد للحيلة وراء الخدعة؟ هو أنه لم يكن ينظر في المكان المناسب في الوقت المناسب..! أم أنه لم يكن حاضر الذهن بغض النظر عن اتجاه عينيه؟
وكانت الإجابة واضحة: لا فارق أين ينظر المشاهد فهو لن يرى الخدعة مهما حدث!
بحث علمي أخر أجرى لنفس الهدف لكن باستخدام خدعة أخرى "الكرة المختفية" والتي تعطى دليل أخر على أن الساحر قادر على خداع المشاهد على مستوى إدراكي عالي وأن اتجاه عين المشاهد غير هام لإحداث التأثير المطلوب، ففي خدعة الكرة المختفية يمسك الساحر بكرة في يده فيرميها ثم يلتقطها عدة مرات متتالية وفي أخر مرة يتظاهر أنه سوف يلقى بها في الهواء وإذا بها تختفي فجأة! تكمن الخدعة وراء حركة عين الساحر ورأسه هو نفسه؛ إذ أن مسار عينه وحركة رأسه يتبع مسار حركة الكرة وفى أخر مرة يتظاهر بإلقاء الكرة، فيرى المشاهد حركة عينيه تتبع مسار الكرة وكأنه ألقى بها فعلاً في الهواء، ولكنه لم يفعل في الحقيقة بل أخفاها في يده، فتبدو الخدعة وكأن الكرة خرجت من يد الساحر ثم اختفت في الهواء.
وبعد سنة من بحثه مع "تاتلر" تعاون "كون" مع عالم الأعصاب "مايكل لاند" ليكتشفا سوياً أن المُشاهد لم يكن ينظر إلى المكان الذي ادعى اختفاء الكرة فيه؛ بل أن حركة عين ورأس الساحر مع الكرة كان ضرورياً لإتمام الخدعة، لأنها تعمل كنوع من "تشتيت الانتباه الخفي" بأنه حوّل "إدراك" المشاهد وليس "العينين" إلى المكان الذي من المفترض أن تتواجد الكرة فيه.
على مستوى خلايا المخ، وجد "كون" و"لاند" أن الخلايا العصبية التي استجابت إلى "الحركة الضمنية" للكرة بناءاً على مسار حركة عين الساحر ورأسه والتي أعطت توقع بحركة الكرة في الهواء رغم أنها لم تحدث، وتقع في نفس المنطقة في المخ حيث تتواجد الخلايا العصبية البصرية التي تنشط في حالة إدراك "الحركة الحقيقية"؛ فإذا كانت كلتا الحركة الضمنية والحقيقية تنشط نفس الوصلات العصبية، فلا شك بأن تبدو الخدعة حقيقية تماماً.
"فعمى التغيير" و "العمى الغير مقصود" ليست الخدع الإدراكية الوحيدة في جعبة الساحر بل هناك أيضاً "الإعلام الحركى" وفيه يقوم الساحر بحركة قد تبدو تلقائية مثل حك الرأس باليد، تعديل الملابس أو القبعة، ولكن الساحر في هذه الحالات لم يكن يضمر النية الحسنة بل هي جزء لا يتجزأ من الخدعة، وهذه الطريقة أفضل من القيام بحركة غير منطقية مثل أن يرفع الساحر يده بدون سبب معين يثير الشك لدى الجمهور.
الأبحاث السحرية
تهدف بعض الأبحاث العلمية على إجابة بعض الأسئلة الخاصة بالأساليب الإدراكية والعقلية وذلك عن طريق استخدام الخدع السحرية كوسيلة لا أكثر.
قام عالمي النفس "بيتر جونسون" و "لارز هول" بتجربة بحثية، يقوم خلالها المراقب بعرض صورتين لوجهين مختلفين على مجموعة من الأشخاص، وطلب من كل شخص منهم أن يحدد أيهما أكثر جاذبية، وبعد أن يحدد كل شخص اختياره؛ يقوم المراقب بخدعة "التبديل" فيقوم بتبديل الصورة التي اختارها الشخص بالصورة الأخرى، ويعرضها عليه ويطلب منه أن يبرر اختياره لهذه الصورة.
وجد أن 26% فقط من الأشخاص أدركوا تغيير الصورة، أما النسبة الغالبة من الأشخاص لم يدركوا تغيير الصورة وبدءوا في تبرير اختيارهم بناءاً على الصورة الواقعة أمامهم على الرغم من كونها ليست من "اختيارهم" وهو ما يطلق عليه "عمى الاختيار"؛ وكان الهدف من التجربة دراسة الكيفية التي يبرر بها الإنسان اختياراته وقراراته في الحياة.
الخداع البصري ووجه الإعجاز في الآية الكريمة
قال تعالى في الآية 116 من سورة الأعراف: ﴿قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيم﴾، وجاءت هذه الآية والآيات التي من قبلها لتقص علينا ما حدث بين النبي موسى عليه السلام وسحرة فرعون، في يوم انتصب فيه الحق أمام الباطل، والمعجزة أمام السحر، والقوة الإلهية أمام خداع البشر وكيدهم، والقصة كما يعلم الجميع غنية عن التعريف.
لقد قال تعالى في الآية المذكورة أعلاه: ﴿سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ﴾ ولم يقل سحروهم أو سحروا عقولهم أو قلوبهم أو أجسادهم، أي أنّ الله تعالى قد خصّ الأعين دون غيرها من الأعضاء الجسدية الأخرى وخصّ البصر دون غيره من الحواس، وهذا ما يوافق التعريف العلمي للخدعة البصرية من حيث أنّها فعل يخدع كليّة النظام البصري للمشاهد بدءاً من العين حتى الدماغ، أي أنّ الخدعة تنطلق أولاً من العين حتى تصل الإدراك العقلي؛ فيخيّل للمشاهد أشياء مخالفة لما هي عليه في الواقع، ولهذا جاءت الإشارة القرآنية إلى الأعين دون غيرها من الحواس الأخرى. ثم قال تعالى في موضع آخر من القرآن: ﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾طه - الآية:66، أي أن السحرة خَدعوا أولاً أعين الناس بما في ذلك موسى وهارون عليهما السلام، فلما تمكّنوا من أمر الخداع والتمويه هذا تخيّلت عقول الناس وهم المشاهدين أنّ العصي والحبال أفاعي وحيّات تتحرك وتزحف، أي أن النظر كان قبل التخيّل، معنى هذا أن القرآن يخبرنا أنّ الناس الذين جمعهم فرعون خُدعت أبصارهم في أول الأمر، ومن بعد ذلك تخيلوا بعقولهم ما أوحت إليهم أبصارهم المخدوعة، وكل عاقل في هذا الكون يقر أنّ النظر يكون بالعين والتخيل محله الدماغ، وهذا السرد القرآني موافق تماماً للتفسير العلمي من حيث أنّ الخدعة بدأت بالبصر ليدرك الدماغ بعد ذلك تخيّلاً وتحليلاً خاطئاً لما شاهدته العين كما هو الشأن في خدعة " باكمان" وخدعة "ميلار ليار" وخدعة "روجر بانروز" وخدعة سحرة فرعون أيضاً؛ فهم درسوا فنّ الخداع البصري من قبل أن يرسل فرعون في المدائن حاشرين وذلك في قوله تعالى: ﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾ سورة الأعراف - الآية:112، أي أن سحرة فرعون عالمون بمهارة الخداع البصري وتمويه الأشياء وصرف أنظار الغير عن حقيقتها وحالتها الطبيعية التي هي عليها، فخيّل لموسى وهارون عليهما السلام، ولفرعون وقومه أنّ العصيّ والحبال أفاعي وحيّات تسعى غير أنها لم تكن إلا عصي وحبال جامدة.
والمتتبع لهذا المشهد العظيم والأسلوب القصصي القرآني الرائع لهذه المناظرة الكبرى، التي جمعت موسى وهارون بسحرة فرعون، يدرك أن الطرف الذي لم يتأثر من هذه الخدعة والتمويه هم السحرة أنفسهم، فهم وحدهم العالمين بفن الخداع بل إنّ فرعون أكرههم على تعلّمه سنوات عديدة، فلمّا ألقى موسى بعصاه وإلتقمت تلك الحبال والعصيّ أدرك السحرة أنّ هذا ليس بسحر ولا بخداع ولا بتمويه فهم العالمين بهذا كله، بل أدركوا بعين اليقين أنّ ما صنعت عصى موسى هو معجزة من رب قدير، فلو كان ما جاءت به عصى موسى عليه السلام سحر تخيلي لكانوا قد أبطلوه وكشفوه بعلمهم وهزموا موسى ونالوا عند فرعون الدرجات العلى، لكنهم أدركوا حقيقة المعجزة كما كانوا يدركون في أعماق أنفسهم أنّ ما صنعوا لم يكن سوى خدعة وتمويه ليسّ إلا،ّ أما ما شهدوه في عصى موسى وما آلت إليه عصيّهم وحبالهم هو حق اليقين وليس سحر مبين.
هكذا يخبرنا القرآن منذ مئات السنين عن ظاهرة الخدع البصرية والوهم التخيلي والتي استعملها سحرة فرعون من قبل حتى أن يكتشف العالم حقيقة هذه الظاهرة، فالعلم الحديث لم يدرك حقيقة الخداع البصري إلاّ بعدما أن أدرك التكوين العضوي للعين وطريقة عمل النظام البصري وعلاقته بالدماغ، بينما أشار إلى ذلك الله تعالى في كتابه منذ مئات السنين وبمصطلحات دقيقة "سحر الأعين"، "خيّل "...إلخ.
0 التعليقات:
إرسال تعليق