23‏/05‏/2014

ما هو التاريخ؟ ومن يكتبه؟ وكيف؟



أسئلة قد تبدو بسيطة وتقليدية، لكننا إذا تأملنا ملياً فيها، قد لا نجد إجابة شافية حاسمة قاطعة، لأننا لا نستطيع أن نؤكدها بملء الفم، لنشعر بعدها بالاطمئنان وراحة النفس والضمير...!

ما هو التاريخ؟
قال شاعر عربي:
ليس بإنسان ولا عاقل***  من لا يعي التاريخ في صدره

ومن درى أخبار من قبله***  أضاف أعماراً إلى عمره


التاريخ فن أم علم أم دراسة تعتمد على حقائق الماضي وتتبع سوابق الأحداث في الماضي والحاضر، ودراسة ظروف السياقات التاريخية وتفسيرها في الماضي والحاضر والمستقبل، فمنهج البحث التاريخي هو مجموعة الطرق والتقنيات التي يتبعها الباحث والمؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية، وإعادة بناء الماضي بكل وقائعه وزواياه، وكما كان عليه زمانه ومكانه تبعاً لذلك فالمنهج التاريخي يحتاج إلى ثقافة واعية وتتبع دقيق بحركة الزمن التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على النص التاريخي، ولهذا وجب ارتباط المنهج بمستويات النقد في كل مراحله الممثلة في التفسير والتأويل والتنقيح والحكم نظراً لعنايته الجادة بالنص كرؤية واقعية ترتبط بالزمن والعصر، ولما كان التاريخ إذاً هو حوار بين المؤرخ أو الباحث في الحاضر وما يسمّى حقائق الماضي، ولكن هل هذا الحوار يستطيع أن يجعل من التاريخ علماً قائماً بذاته، لأن ما يسمّى حقائق تاريخية هو قرار من المؤرخ باختيار هذه الحقائق، ووصفها وترتيبها، تبعاً لنوازعه الشخصية؛ لذا فالاعتقاد بوجود حقائق تاريخية بشكل موضوعي مستقلّ عن تأويل المؤرخ هو اعتقاد خاطئ ومناف للمنطق. 

من يكتب التاريخ؟ 
هل هو المؤرخ، أم القائد السياسي، أم المناضل، أم الأديب، أم الفنان، أم رجل الشارع؟ مَنْ مِنْ هؤلاء يخط التاريخ حقاً؟ والسؤال الأهم من منهم جدير بأن يؤرخ لأحداث التاريخ؟
هل يمتلك الضمير الواعي؟ بضرورة الإخبار عن الماضي، وهل لديه القدرة للتنقيب فيه بهواته ورحَّالته ومستكشفيه وكُتَّابه ومرتزقته وبائعيه? 
أم أنه الدَّمُ ذاك الذي أسس للمعنى معالمه وللمبادئ قداستها، فروى به أديم الأرض بذات النهم الذي روَّى به محابر كاتبيه، أم أنه لا قائمة للتاريخ إلا بهما في علاقة تلازمية لا غنى فيها للماء عن الغدير كما للدم عن الضمير، و إن اختلفت القوالب التي تشكل على أساسها.

وكيف يكتب التاريخ؟
هل يمكن أن يكتب بموضوعية، وبنظرة محايدة بعيداً عن الانحيازات..! أم أن ما يُكتب هو تاريخ نسبي تختلف سطوره وكلماته من مؤرخ إلى آخر حسب توجهاته، وأن ما يُكتب هل يختلف حسب العصر الذي كُتبت فيه؟ فهناك أحكام تاريخية تبدو محل اتفاق بين المؤرخين على سبيل المثال:
صدمة الحداثة جاءت مع الحملة الفرنسية إلى مصر؛ محمد علي باشا المُلقب بالعزيز أو عزيز مصر هو مؤسس مصر الحديثة.

محمد علي باشا
الخديوي إسماعيل
إسماعيل باشا هو من أغرق مصر في بحور من الديون، ورغم ذلك لا نعدم مؤرخين يرون رأيا مختلفاً حيث يحسب للخديوي إسماعيل أنه كان من فاعلي الخير البارزين في عصره، ولعل من أشهر الأوقاف التي خصصت للمساجد وقف الخديوي إسماعيل الذي بلغت مساحته 10 آلاف فدان، ونصت وقفيته على أن يصرف ريع ذلك في بناء وعمارة ومرمّات ومصالح مهمات، وإقامة الشعائر الإسلامية بالمساجد والمكاتب الكائنة بمصر المحروسة التي لا ريع لها، أو لها ريع لا يفي بالعمارات وإقامة الشعائر، وتعد وقفيات الخديوي إسماعيل هي أكبر الوقفيات التي أنشئت في تاريخ مصر الحديث؛ وعلى صعيد آخر هناك أحداث تاريخية مازالت مثار خلاف ونقاش بين المؤرخين والمتخصصين إلى يومنا هذا، كالثورة الفرنسية مثالاً؛ فغالبية المؤرخين يكادوا أن يجمعوا، على اعتبار تركيبة النظام الملكي الفرنسي نفسها أحد أبرز سبب من أسباب الثورة، كالرغبة في القضاء على الحكم المطلق، والاستياء من الامتيازات الممنوحة للإقطاع وطبقة النبلاء، والاستياء من تأثير الكنيسة على السياسة العامة والمؤسسات، والتطلع نحو الحرية الدينية والتخلص من الأرستقراطية الدينية، وتحقيق المساواة الاجتماعية والسياسية سيما مع تقدم الثورة للمطالبة بنظام جمهوري؛ في حين يرجع البعض إلى أن سببها بشكل أساسي كان اقتصادي؛ إذ كان الجوع وسوء التغذية منتشراً بين الفئات الفقيرة في فرنسا مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالخبز؛ أيضاً فإن الملكة ماري أنطوانيت يعتبرها البعض من أسباب الثورة، إذ نظر إليها الفرنسيون واتهموها  زوراً في أغلب الأحيان بأنها جاسوسة النمسا ومبذرة وسبب اغتيال وزير المالية الذي كان محبوباً من قبل الشعب.

اللوحة بعنوان الحرية تقود الناس للفنان Eugène Delacroix
ماري أنطوانيت
ثم إن وجود هذه الحقائق والوثائق بين أيدي هذا المؤرخ أو ذاك لا يضمن الاتفاق بين المؤرخين على تأويلها نفس التأويل لأن لكل مؤرخ وجهة نظره ودوافعه، لهذا فالمؤرخ هو من يتخذ القرار المسبق في عملية ترتيب النصوص والوثائق التي تخدم وجهة نظره، لهذا لا يمكن أن نضمن اتفاقاً بين المؤرخين على حدث معين، فلكل تأويله وتحليله، ولهذا عند تحليل النصوص التاريخية لا بد من الوقوف على علاقة المؤرخ بالوثائق والحقائق التي يملكها بين يديه كمواد خام للدرس والتحلي، هل يعتمدها كحقيقة مُسَلَّمْ بها؟؛ أم يقارنها بمعطيات أخرى مثل التحدث عن الإيديولوجيات والمواقف السياسية السائدة في العصر التي كتبت فيه الوثائق؛ وكذلك مقارنتها بالموقف السياسي لكاتب الوثيقة وعلاقته بعصره، ولعل ثورة يوليو 1952هي واحدة منها، بل لعلها أشهرها في الحقيقة فهناك رأي يراها ثورة عظيمة، وأنها أسست قاعدة صناعية في مصر، وأتاحت مجانية التعليم لكل فئات الشعب، وازدهرت الثقافة والفنون في عهدها، واكتسبت مصر وقتها مكانة مهمة بين صفوف دول العالم؛ ورأي آخر يؤكد أنها لم تكن إلا حكماً عسكرياً أجهض النمو الليبرالي في مصر وقضى على الديمقراطية، ووضع كل الخيوط في يد الدولة، وهذا منطقي فلكل رأيه في أي حدث يحدث في الحياة سواء لما يسمع أو يرى من وجهة نظره. 
وأيضاً مناهج تناول الحدث التاريخي تختلف، فهناك المنهج التقليدي الذي يعتمد بالدرجة الأولى على تفسير الوثائق والآثار والروايات المعاصرة للحدث، ومناهج حديثة تلجأ إلى مصادر جديدة مثل الصور والأفلام والتاريخ الشفاهي. 
وأخيراً ما الدور الذي يلعبه خيال المؤرخ؟ وهل يجب استبعاده كي نصل إلى أكبر قدر من الموضوعية؟

كذبة التاريخ
هناك حكمة قديمة جداً وشهيرة جداً تقول: التاريخ يكتبه المنتصرون؛ يعني أن التاريخ مشبع بالكذب، وأن لا مكان للحقيقة فيه..!
لكن هذه الجملة غير دقيقة، لأننا لو عدنا إلى التاريخ، فإننا سنجد أن المهزومين كتبوه أكثر مما فعل المنتصرون.

المسيح عيسى بن مريم عليه السلام هو شخص حُكم عليه بالإعدام صلباً؛ هذا ما يؤمن به أكثر من ملياري شخص حول العالم، يدينون بالمسيحية، لكن هل يعني هذا أن "قيافا" كبير الكهنة اليهود الذي خطط لصلب المسيح هو الذي كتب التاريخ؟ أم أن غريمه هو منَ قام بهذه المهمة..!

هولاكو
كتب التاريخ العربية تقول إن السلطان "قطز" هزم "هولاكو" في معركة عين جالوت، وعندما تقرأ ما كتبه المؤرخون المغول تجد أن هولاكو لم يقد الجيش أصلاً في هذه المعركة، وإنما ترك قيادة الجيش لقائد قواته وعاد هو ببعض جيشه إلى منغوليا حيث وصلته أنباء بأن أخاه قد اعتنق الإسلام ويؤدى شعائر المسلمين، فعاد لنجدة حكمه وبلاده من هذه الكارثة؛ في رأيهم أن هذا لو لم يحدث لما استطاع شيء أن يوقف الزحف المغولي المقدس، وأن الجيش المغولي آنذاك كان جيشاً لا يمكن هزيمته بكل المقاييس الحربية والإستراتيجية والقتالية. 
وتقول كتب المغول أيضاً إن "جنكيز خان" الذي يصوره العرب بأنه إنسان الغاب طويل الناب كان حكيماً عظيماً مهاباً معطاءً عادلاً وقوراً متواضعاً جسوراً شجاعاً ذكياً طويلاً سريعاً لعيباً.
وأنه أورث حفيده "هولاكو" كل هذه المهارات والسمات والمحاسن والمفاتن، فكان بدوره فتياً ذكياً أبياً قوياً عفياً بهياً سجياً، وأن ما فعله في مكتبة بغداد واستعماله للكتب كجسور ليعبر عليها النهر بخيوله ومركباته العسكرية كان من باب الذكاء والفطنة العسكرية وحسن التصرف، وأن أوامره لجنوده ألا يتركوا شيئاً يتحرك في بغداد كان من باب الانتقام لأبيه الذي قتله الخليفة العباسي، وأن هذا الانتقام هو انتقام مبرر ولا ضير منه حيث إن الرجل الذي لا يغضب لوالده في رأيهم لا يستحق الولادة.

هتلر
و"هتلر" القائد العسكري العصامي والهمام واللماح والمقدام والمتكلم الذي انتفضت لكلماته أشجار أوروبا ورفعت له الأيدي منتصبة أكثر من خمسة أعوام وتغنى باسمه شعراء ومطربو ألمانيا، وحف نجوم السينما العالمية شواربهم اقتداء به وبشاربه العجيب، وتحولت على يده المدارس الفرنسية لتعليم اللغة الألمانية كلغة أولى، ثم فجأة تظهر أمريكا في المشهد وتنهزم ألمانيا ويختفي هتلر ويأتي دور المؤرخين المنتصرين ليبدؤوا في كتابة تاريخ هذا الرجل السادي والوحشي والقاسي والديكتاتور والعميل والخائن والمخادع والمتسلق والوصولي، وتتسابق وسائل الإعلام في سب الرجل ووصفه بكل الصفات السيئة التي لا يمكن أصلاً أن تجتمع في رجل واحد. 

وفي التاريخ الإسلامي استطاع "يزيد بن معاوية" أن يقتل "الحسين" لكن دم الحسين هو الذي كتب التاريخ، وليس سيف يزيد؟

وفي التاريخ الفرنسي اغتيلت "جان دارك" رمز المقاومة الأول بالنسبة للفرنسيين، فمن الذي كتب التاريخ؟ جان دارك أم مَن قتلها..!

وفي تاريخنا الحديث نفذ الاستعمار الفاشي حكم الإعدام بقائد المقاومة الليبية آنذاك "عمر المختار" فهل حال مقتل عمر المختار بينه وبين كتابة تاريخ شعبه وأمته؟

عمر المختار
وفي الولايات المتحدة تعرّض داعيتا الحقوق المدنية “مارتن لوثر كينج، ومالكوم إكس” للتصفية الجسدية، لكن كل دعاة التغيير والعدالة الاجتماعية ما زالوا ينظرون إلى هاتين الشخصيتين باعتبارهما رمزين لكل القيم النبيلة، فهل استطاع مَن قام باغتيالهما أن يحول بينهما وبين مهمة كتابة التاريخ؟

مارتن لوثر كينج
مالكوم إكس
وفي أمريكا اللاتينية تمت تصفية الثائر الأرجنتيني الكبير “تشي غيفارا” ببوليفيا، فهل هناك مَن لا يزال يتذكر اسم رئيس جمهورية بوليفيا في ذلك الوقت؟ أو اسم رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية؟ وهما الشخصان اللذان تناوبا على تنفيذ الاغتيال والتخطيط له..!

تشي غيفارا
ولكن حتى كتب تاريخ الأدب والملاحم الأدبية وقصص العشاق وحتى تاريخ الدول والخلافات، فهناك تزوير لنهاية الأحداث وتفاصيل الرواية، فمثلا كان يُتهم الخليفة هارون الرشيد بأنه كان زير نساء، التقطتها السينما والتلفزيون لتسلط الضوء على حياة الرجل الاجتماعية بغية تشويهها، فيما كان يعرُف عنه أنه كان يحج عاماً ويغزو عاماً.

رسم تخيلي لهارون الرشيد وهو يستقبل وفد شارلمان بريشة يوليوس كوركت 1846
كتب التاريخ مزورة ورافضة للاعتراف بالحقائق، وكذلك كتب المنتصرين في الحروب، وكذلك تفعل تكنولوجيا الفضائيات وأقلام محرريها مقابل حفنة من دولارات.
صحيح أنه كثيراً ما خضع توثيقُ الأحداث التاريخية للاجتهاد والتحوير، وأحياناً التحريف بحسب كاتب الحدث أو الرواية، مما يعرض المنقولات التاريخية أحياناً إلى الشك والارتياب، ولطالما توقف الباحثون عند مصداقية الرواية التاريخية لهذا المؤرخ أو ذاك.

فيرى الباحث رشيد الخيون أنه قليلاً ما نجد مؤرخاً منصفاً استطاع أن يتجرد من انحيازه لعقيدة أو انتماءٍ أو مَيل، ومن هنا تأتي خطورة كتابة التاريخ وتدوينِه وهذا ما دفع بعض الملوك والقادة إلى الإشراف على ما يكتبه رواة عهدهم، بل وإملاء ما يجعل صفحاتهم حافلة بمآثرهم وأخبار بطولاتهم وفتوحاتهم، وبما يجمّل صورَهم بعد عقود وقرون من الزمن، وهذا ما دفع البعضَ إلى إطلاق مشاريع إعادة كتابة التاريخ ربما لأغراض ترتبط بنواياهم وأهدافهم من وليّ حقائق التاريخ أحياناً.

ويقول أناتول فرانس: ”كتب التاريخ التي لا تحتوي على أكاذيب كتب مملة للغاية”، لذلك عمد كتَّابُه إلى عدم الاكتفاء بالإحصاء الجامد لسلوكيات البشر الزائلة، وحضاراتهم البالية وطرائق الحرب وما تضمنته خسائرها المختلفة، وإنما تجاوزوا ذلك إلى الغوص في أنَّات النفوس فحاوروا أصحابها مصورين تفاصيلهم الصغيرة في خضم الحياة العامة، وهو ما لم يكن للتاريخ أن يقوم به بمنأى عن الأدب والفنون المكرسة في سبيل التعبير عن الإنسان وخفاياه النفسية وهو ما عمد إليه الشعراء والرسامون والموسيقيون على مر العصور.
فنحن لا ننكر الرؤى الفنية الإبداعية للحدث التاريخي التي يبدعها أدباء وفنانون والتي تستحضر صوراً للتاريخ بعيون قد تكون مختلفة وغير تقليدية لكنها تفتح آفاقاً جديدة لم تتطرق إليها الدراسات التاريخية الكلاسيكية. 

مخطوطة يونانية مصورة عن الإلياذة تعود لأواخر القرن الخامس أو أوائل القرن السادس للميلاد
فمن منا لا يعرف قصة طروادة ؛ أشهر الملاحم التاريخية على الإطلاق، وما تضمنته من معاني الحرب، ومعاني التقديس لآلهة الإغريق الذين أداروها بحسب الأسطورة بين المتحاربين من جهة ، ودور المرأة في قيام تلك الحرب من جهة ثانية، فجاء أول الشعر القديم وأعظمه في شكل إلياذة  في ستة عشرة ألف بيت شعري؛ فهل كان يمكن للبشرية اليوم لولا إلياذة هوميروس أن تعرف تفاصيل تلك الحرب التي يمتد تاريخها إلى تسعمائة سنة قبل الميلاد بالاعتماد على علماء الآثار وحدهم؟ وإنْ قيل أن هوميروس قد اعتمد على خرافة الآلهة وإدارتهم للحرب لما حظيت به من قدسية فائقة في ذلك العصر، وأنه  لم يكن ممن عايشوا الحرب ولا من أبناء عصرها، إذ تمت كتابتها بعد مرور قرنين من حدوثها، مما يعني قطعاً أنها احتوت على الكثير من الأكاذيب البريئة المحاكة بفعل الزمن من جهة، وبفعل طبيعة الشعراء التي تغالي في الوصف، وتتمادى في الإذعان له من جهة أخرى؛ خاصة إذا علمنا أنه ما من مقاومة على وجه الأرض استغنت في المقابل عن الشاعر، حتى إننا نجده في أدبنا العربي محارباً يشحذ سيفه ولسانه معاً في خوضه غمرات الوغى، وقد قال أحمد مطر في تفسيره للقول القديم لنصر بن سيار: "إن الحرب أولها كلام". 
أن الكلام في الواقع محيط بالحرب من أولها إلى أخرها؛ نوعية وتحريضاً وتمجيداً، وهذا ما مثله نصر بن سيَّار نفسه، وأكده أبو تمام في بيته الشهير: 

بيض الصفائح لا سود الصحائف*** في متونهن جلاء الشك والريب.

إذ أكد ضمنا أن سود الصحائف هي الدليل المبصر لبيض الصفائح العمياء، فَعَيَنَ الأداة المطلوبة في الموقف وحرَّض على استخدامها.

بذلك اقترن الأدب اقتراناً وطيداً بمجريات الحياة بمختلف تفاصيلها، فصورها بجمالية طافحة جسدتها الأعمال الخالدة في الآداب العالمية وحتى العربية.
وإذا كان التاريخ يكتبه المنتصرون، فمن يكتب تاريخ الضحايا؟
أعتقد أن التاريخ يكتبه المهزومون أكثر ممّا يكتبه المنتصرون؛ صحيح أن المنتصرين ملأوا التاريخ بالأكاذيب، لكنهم رغم كل ذلك لم يتمكّنوا من حجب الحقائق، والأهم أن الحقيقة ظلت هي صاحبة التأثير الأكبر في كتاب التاريخ.
ويأتي في النهاية السؤال الأصعب والذي حار المتخصصون والدارسون في الإجابة عليه وهو: كيف يتعامل المؤرخ مع حدث مازال في مرحلة التكوين؟ حدث لم يكتمل بعد..!




 







0 التعليقات:

إرسال تعليق