الموناليزا Mona Lisa" أو "الجيوكاندا La Gioconda" هي لوحة رسمها الفنان الإيطالي ليوناردو دافينشي (1452-1519).. يعتبرها النقاد والفنانون واحدة من أحد أفضل الأعمال على مر تاريخ الرسم.. حجم اللوحة صغير نسبياً مقارنة مع مثيلاتها حيث يبلغ 30 أنشاً ارتفاعاً و 21 إنشاً عرضاً..
تلك اللوحة التي رسمها العبقري الإيطالي ليوناردو دافينشي والذي مات منذ ما يقارب خمسمائة عام... ولكن لوحته هذه لا تزال حتى اليوم مصدراً من أهم وأخصب مصادر الإلهام للفنانين على اختلاف تخصصاتهم وتوجهاتهم...
ويرجح الباحثون أن ليوناردو بدأ في رسم هذه اللوحة عام 1500 ولافتتانه بها استغرقت منه حوالي أربع سنوات.. حتى انتهت عام 1504.. وأصبحت تلك المرأة الغامضة المجهولة التي تحتل ابتسامتها اللوحة رمزاً أنثوياً خالصاً حاز إعجاب العالم.. وأشاعت ابتسامتها جدلاً واسعاً حتى أصبحت سراً غامضاً يسعى إلى تفسيره العلماء والباحثون...
حتى إن أحد الباحثين الإيطاليين (جيسيب بالانتى) أنفق 25 عاماً من عمره في البحث عن هوية تلك المرأة.. وخرج ببحث أشارت إليه صحيفة الديلى تلجراف البريطانية يقول:
إن الصورة كانت لزوجة أحد أصدقاء والد ليوناردو دافينشي.. وكان يعمل تاجراً للحرير .. ويدعى سير فرانشيسكو ديل جيوكوندو وكان متزوجاً من مادونا ليزا دي جيرادينى.. وأنه هو الذي طلب منه رسم اللوحة لزوجته ولكن السيدة ليزا لم تحبّ زوجها هذا, والذي كان متزوجاً من اثنتين قبلها، لأن الرجل الذي أحبته تُوفى.. ولهذا يرجع بعض الباحثين إطلاق اسم الجيوكاندا على اللوحة نسبة إلى انتماء تلك السيدة إلى عائلة جيوكوندو..
كما يتوقعون أن فرانشيسكو زوج الموناليزا لم يستلم اللوحة من دافينشي.. كون دافينشي أخذ وقتاً طويلاً برسمها.. ويعتقد بأن دافينشي كان يسافر حاملاً اللوحة معه ليعرض أسلوبه الجديد ومهاراته..
ولهذا جلب ليوناردو اللوحة إلى فرنسا عام 1516 م واشتريت من قبل ملك فرنسا فرنسيس الأول.. حيث وضعت اللوحة أولاً في قصر شاتوفونتابلو ثم نقلت إلى قصر فرساي.. وبعد الثورة الفرنسية علقها نابليون الأول بغرفة نومه.. واللوحة تعرض حالياً في متحف اللوفر في باريس فرنسا...
وقد أثارت اللوحة الكثير من الجدل.. منذ ظهورها نظراً للابتسامة الغامضة للمرأة.. واتجاه نظرة عينيها التي يراها الناظر إليها..من أي زاوية تنظر إليه..
فللمشاهد العادي أهم ما يميز لوحة الموناليزا هو نظرة عينيها والابتسامة الغامضة التي قيل إن دافينشي كان يستأجر مهرجاً لكي يجعل الموناليزا تحافظ على تلك الابتسامة طوال الفترة التي يرسمها فيها..
وقد اختلف النقاد والمحللين بتفسير تلك البسمة.. وتراوحت الآراء بسر البسمة بدرجات مختلفة ابتدأ من ابتسامة أم دافينشي وانتهاءاً بعقدة جنسية مكبوتة لديه..
إلا أن أهم ما يميز لوحة الموناليزا هي تقديم لتقنيات رسم مبتكرة جداً ما تزال سائدة إلى الآن.. فقبل الموناليزا كانت لوحات الشخصيات وقتها للجسم بشكل كامل وترسم مقدمة الصدر إما إسقاطاً جانبياً لا يعطي عمقاً واضحاً للصورة وهي الأغلب.. وإما أمامياً مباشراً للشخص وبنفس العيب..
فكان دافينشي أول من قدم الإسقاط المتوسط الذي يجمع بين الجانب والأمام في لوحات الأفراد. وبذلك قدم مبدأ الرسم المجسم... يمكن ملاحظة الشكل الهرمي الذي يعطي التجسيم في اللوحة حيث تقع اليدين على قاعدتي الهرم المتجاورتين بينما تشكل جوانب الأكتاف مع الرأس جانبين متقابلين للهرم.. هذه التقنية كانت ثورية وقتها وهي التي أعطت دفعاً يجبر المشاهد إلى التوجه إلى أعلى الهرم وهو الرأس.. وهذا الأسلوب تم تقليده فوراً من قبل عظماء الرسامين الإيطاليين المعاصرين له مثل رافئيل.. كما قدم ليوناردو تقنية جديدة في هذه اللوحة وهي تقنية الرسم المموه.. حيث لا يوجد خطوط محددة للملامح بل تتداخل الألوان بصورة ضبابية لتشكل الشكل.. نفس التقنية الضبابية اعتمدها ليوناردو ليعطي انطباع العمق في الخلفية.. حيث يتناقص وضوح الصورة في الخلفية كلما ابتعدت التفاصيل.. وهي تقنية لم تكن معروفة قبل هذه اللوحة حيث أعطت إحساساً بالواقعية بصورة لا مثيل لها ضمن ذلك الوقت.. فرسومات ذلك العصر كانت تعطي نفس الوضوح لجميع محتويات اللوحة.. هذه التقنية مكنته من دمج خلفيتين مختلفتين تماماً ويستحيل الجمع بينها في الواقع.. فالخلفية على يمين السيدة تختلف في الميل والعمق وخط الأفق عن الخلفية التي على اليسار.. بحيث تظهر كل خلفية وكأنها رسمت من ارتفاعات أفقية مختلفة للرسام...
كما أثارت تلك الأسئلة التي لم تجد حتى الآن وأظنها لن تجد الإجابة الشافية مثل:
- لماذا جاءت اللوحة مخالفة للعرف السائد في لوحات ذلك العصر.. فاللوحة غير موقعة.. ولا مؤرخة.. ولا تحمل أية معلومات عن موضوعها أو الشخص الذي تصوره كباقي لوحات عصرها.. كل هذا فتح الباب للظنون تذهب حيث تشاء...
- ومن النظريات الغريبة التي تناولت لوحة الموناليزا ما ذهب إليه البعض.. من أن هذه اللوحة كما ذكرنا آنفاً لامرأة شهيرة في المجتمع الإيطالي آنذاك مثل إيزابيلا ديستى... أو سيليا جاليرانى...
- وذهب آخرون إلى أن تكون اللوحة لإحدى فتيات الليل.. أراد دافينشي إظهار البراءة المختبئة بها...
- في حين ذهب البعض إلى افتراض أن هذه اللوحة لوالدة دافينشي.. أو لامرأة تشبهها نظراً لتعلق دافينشي بأمه وحرمانه منها صغيراً.. وهو كما نعرف الابن غير الشرعي لموظف عام من فلورنسا من ابنة مزارع...
- بينما أشارت إحدى النظريات الغريبة إلى أن اللوحة قد تكون صورة ساخرة رسمها دافينشي لنفسه.. نظراً لاحتمال تقارب ملامح المرأة في اللوحة وملامح دافينشي نفسه.. فالاعتقاد السائد كان أنه من مثليي الجنس...
- وأما أغرب دراسة جرت حول الموناليزا تلك التي قام بها مجموعة من علماء التشريح.. وتوصلوا فيها إلى أن الموناليزا كانت تعاني من آلام في يدها.. أو شبه شلل بها.. نظراً لوضع الجسم والذراع.. وحالة الاتكاء الذي ظهرت به في اللوحة...
- كما يعتقد أن الصورة الحالية غير كاملة إذ يوجد لوحات منسوخة من قبل رافئيل للموناليزا تظهر تفاصيل جانبية إضافية يعتقد بأنها قد أتلفت سابقاً عند نقل اللوحة من إطار إلى إطار أخر..
وهكذا نرى أن الموناليزا ظلت وستبقى محيرة وملهمة للفنانين.. ولقد كتب عنها وحولها آلاف القصائد الشعرية.. وألفت أوبرا كاملة باسمها "أوبرا الموناليزا"
0 التعليقات:
إرسال تعليق